صاحبي الصحافي المغترب وبلدياتنا عبد الله عباس عبد الرازق من ناس رومي البكرى ، وهي قرية منسية في عمق الشمال ، هذا العباس أصيب بالزحف الصلعي وشاخ وتلاشى عنفوانه وهو يركض خلف طموحاته ، في الآونة الأخيرة دهمت الرجل متلازمة النسيان ، وأصبح نساي بدرجة إمتياز ، ولأنني أكثر قربا منه في العمل وفي فسيفساء العلاقة الإجتماعية ، نصحته على ضرروة اللحاق بذاكرته المنطفئة قبل أن تتلاشى وتصبح شيح في ريح ، غير أن الرجل إعتبر أن صراحتي نوع من التهويل والفنتازيا ، وأن ذاكرته ما زالت صلبة مثل نخلة تتحدى عاتيات الريح في براري الشمال . المهم لم اكن الوحيد الذي نبه صاحبنا عباس أن ذاكرته تتلاشى في حراك وطاحون العمل اليومي في مهنة المتاعب وإنما صاحبنا وزميلنا الصحافي شيخ العربان مختار العوض حذر الرجل من جرثومة«من هسه وبقيت تنسى » ، ولكن صاحبنا تأوه وأطلق ضحكة خفيفة كعادتة ولم يكترث للنصائح ، وفي أحد الأيام بعد انهاء معمعة العمل خرجنا أربعتنا العوض وعباس وياسر عبد الفتاح أبوالشقشقه وصاحبكم العبد الله وعندها فطن عباس أنه فقد مفتاح سيارته، المهم بحثنا عن المفتاح اللئيم بدون فائدة وفي نهاية هذه الهوجة إكتشف عباس أنه يحمل مفتاح السيارة بين يده وفي تلك اللحظة كتبنا يا جماعة الخير شهادة وفاة ذاكرته ، وحتى هذه اللحظة ما زال عباس يطالبنا بتمزيق تلك الشهادة ولكن للأسف فقد جرى وضع الشهادة في متحف النسيان السوداني . على فكرة متحف النسيان السوداني يضم بين محتوياته الكثير من شهادات وفاة الذاكرة لمعظم القادة والزعماء السودانيين منذ عهد الإستقلال وحتى تاريخه ، أقولي قولي هذا لأن هؤلاء الساسة والزعماء من فاقدي الذاكرة تناسوا السودان ، وإنهمكوا في التفتيش عن مصالحهم الخاصة والكراسي الدوارة ، وكانت الفاجعة الكبرى تقسيم السودان .حكاية تقسيم السودان تجعلني أتوقف عن محطة الدكتور حسن الترابي ، والذي أعلن بالفم المليان أن السودان في طريقه إلى التقسيم في حالة ما سارت عربة الإنقاذ في طريق تهميش الآخر والإستحواذ بالسلطة ، طيب كلام الرجل أقصد الترابي « جميل جمال ما لوش مثال » ، لكن دعوني أسأل والسؤال جارح وبدون كوابح يا جماعة الخير ، الترابي الآن يتحدث عن تقسيم السودان طيب أين كانت ذاكرة هذا الرجل حينما كان كبير العرابيين الذين هللوا وطبلوا لقوانين ديسمبر في عهد الرئيس والتي كانت واحدة من النقاط السوداء في تاريخ السودان ؟ ، وأين كانت ذاكرة الرجل وهو الذي كان وما زال يعمل من أجل مصالحه ومصالح حزبه غير عابيء بحراك الإستقرار في الوطن .على فكرة هناك عشرات الساسة والقياديين من أمثال الترابي في حاجة إلى نفض الغبار عن غرف الذاكرة المجهدة بالمصالح وربما التشويش بفعل ضربات الزمن وما خفي أعظم . بالمناسبة كشفت دراسة بريطاينة لئيمة أن أداء دماغ الإنسان يبدأ في التراجع بعد سن ال45 ، إذن على السودانيين جميعا إطلاق النفير لتغيير كافة الزعامات إنطلاقا من ناس الإنقاذ والأحزاب الكبرى لأن أعمار هؤلاء القوم في المتوسط تصل الى ال80 وال88 عاما يعني عقولهم أصبحت مش نساية أصبحت صفاية .