ورث السودان عند استقلاله في الأول من يناير من العام 1956 حدوداً دولية مع تسع دول.. هي مصر في الشمال، وأثيوبيا واريتريا- بعد استقلالها- في جهة الشرق، وكينيا ويوغندا في الجنوب، وزائير «الكنغو» الديمقراطية حالياً في جهة الجنوب الغربي- وتشاد وافريقيا الوسطى في جهة الغرب- وليبيا في الشمال الغربي- والمملكة العربية السعودية عبر البحر الأحمر- وبلغ طول هذه الحدود الدولية مجتمعة ثمانية آلاف وأربعمائة ثلاثة وأربعين كيلو متر، وهذا بالطبع قبل انفصال جنوب السودان في التاسع من يوليو 2011م، وبذلك الانفصال آلت الحدود الدولية المشتركة في الجنوب الى جمهورية جنوب السودان، وهي الحدود مع كينيا ومع يوغندا وزائير -الكنغو الديمقراطية- وجزء من حدود السودان مع افريقيا الوسطى ومع اثيوبيا، فصارت لكل منهما (افريقيا الوسطى واثيوبيا) حدود دولية مع جنوب السودان، ومع جمهورية السودان فانخفض الطول الكلي لحدود السودان بحوالي الفي كيلو متر، وهو طول الحدود مع جمهورية جنوب السودان، واتسمت هذه الحدود بالعشوائية، وبعدم الوصف الدقيق لها، وعدم وجود علامات ثابتة، وأحياناً معالم متغيرة كأكوام الحجارة ومقبرة بيرسول في أم دافوق، بين السودان وافريقيا الوسطى، وتداخلت القبائل مما أدى الى صعوبة أن يعرف كل بلد حدوده، وبرزت احتكاكات بينها حول المزارع والمراعي والمياه، وهي موارد شحيحة في بعض الأماكن، وبالتالي أدت الى انعدام الاستقرار الأمني. الحدود الدولية بين السودان وأثيوبيا كانت الأطول قبل انفصال جنوب السودان، وتقديري أنها الأهم، فعبر هذه الحدود الدولية تطل الجارة أثيوبيا على أخصب الأراضي الزراعية في القضارفوجنوب النيل الأزرق، وتشترك مع ولاية سنار في حظيرة الدندر، حيث الحياة البرية التي تجوب الأرض وتسرح بدون جواز سفر، وبدون الحصول على تأشيرة دخول لأي من البلدين، ومن الجارة اثيوبيا يتدفق أهم مورد مائي لنهر النيل من بحيرة تانا، والمعروف أن مياه النيل الأزرق المنحدرة من أثيوبيا تشكل 85% من مورد نهر النيل الرئيسي المنساب نحو المصب في البحر الأبيض المتوسط، وتأتي كذلك مياه نهر عطبرة، وخور بركة، ونهر الرهد، وفي الجنوب نهرالسوباط، ومن الماء جعل الله سبحانه وتعالى كل شيء حي والأشياء الحية هي الإنسان والحيوان والنبات(الأمن المائي). تطل أثيوبيا على خزان الرصيرص ومحطة توليد الطاقة الكهربائية المائية، وهي أرخص أنواع الطاقة، والمحطة وقبل افتتاح سد مروي كانت أكبر مغذٍ للشبكة القومية للكهرباء بالكهرباء، ويخزن حوض الخزان ثلاثة مليارات ونصف المليار متر مكعب من المياه، وتجري في الوقت الحاضر عملية تعلية الخزان بعشرة أمتار أخرى، لرفع المخزون من الماء في الحوض الى سبعة مليارات متر مكعب، لدواعي الري وتوليد الطاقة الكهربائية بصفة دائمة، لتكون مستقرة ومستمرة على مدار العام من سدي مروي والرصيرص، فسد مروي ينتج ألف ومائتين وخمسين ميغاواط من الكهرباء من عشر توربينات، بينما ينتج سد الرصيرص مائتين وثمانين ميغاواط من سبعة توربينات.. والمعروف أن سد الروصيرص يروي في أواسط السودان أرضاً زراعية مساحتها ثلاثة ملايين ونصف المليون فدان، وهناك خزان خشم القربة وهو خزان من أجل الزراعة، وقد أدخلت عليه بعض التعديلات والتقنيات مما مكنه من انتاج طاقة كهربائية لتغطية الحاجة المحلية في حلفاالجديدة.. والأعمال جارية في إنشاء سدين في أعالي نهر عطبرة ونهر ستيت، وبهذا يرتفع عدد الخزانات القريبة من الشريط الحدودي الدولي بين السودان واثيوبيا الى أربعة خزانات لمشروعات حيوية في البلاد، وعلى الشريط الحدودي داخل السودان يمر طريق الأسفلت الرابط بين الخرطوموالقضارف القريبة من اقليم الأمهرا الاثيوبي، وكسلا المجاورة لاريتريا وبورتسودان، حيث ميناء البلاد الرئيسي للتصدير والاستيراد، وستظل لهذا الطريق أهميته وتبقى رغم وجود طريق شريان الشمال الذي يربط بورتسودانبعطبرةوالخرطوم، فهذه جميعها مواقع ذات أهمية اقتصادية وسياسية واجتماعية، ونجدها على مرمى حجر، وهذا الوضع يعطي اثيوبيا يداً طولى في زعزعة الأمن، وعلى طول الشريط الحدودي وأراضي القضارف تمثل سلة غذاء السودان، وفيها صومعة للغلال وقد وجدت حركة التمرد الأولى تحت قيادة الفريق جوزيف لاقو دعماً من أثيوبيا، ولكن بحجم أقل من الذي وجدته حركة التمرد الثانية تحت قيادة الراحل د. جون قرنق- كما سنوضح لاحقاً- وذلك لأن اثيوبيا تحت حكم الراحل الامبراطور هيلاسي لاسي كانت لها علاقات طيبة مع السودان، ولم تظهر حركة تحرير اريتريا في الوجود آنذاك، وقد كان لجلالة الامبراطور دور كبير في توقيع اتفاقية السلام في الثالث من مارس 1972 في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري.. مما أدى الى استقرار السودان عشر سنوات بتوقف الحرب الأهلية في الجنوب، هذا وقد لقيت الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق دعماً كبيراً من أثيوبيا تحت منقستو هايلي ماريام مما أطال عمرها وقد وجدت أرضاً تنطلق منها عملياتها، ومساعدات عسكرية من دولة، فقد كان منقستو يظن أن السودان يقدم الدعم لثوار اريتريا، فله إذن مشاكل في الشمال، وللسودان مشكلة في الجنوب، ولولا ذلك الدعم الاثيوبي لما دخلت قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان آنذاك جنوب النيل الأزرق بأي حال من الأحوال، فدخلتها وزعزعت الأمن فيها لما يقارب ربع القرن من الزمان، واستولت على محلية الكرمك، وبقيت فيها حتى تم تحريرها في الثالث من نوفمبر 2011م كان من المنتظر- وحسب الدراسات- أن يمر خط أنابيب البترول من الآبار فالأبيض وكوستي وسنار، ثم موازياً مع خط السكة الحديد الى القضارف، ثم كسلا وهيا، وأخيراً ميناء التصدير بورتسودان، إلا أن مرور خط الأنبوب على بعد كيلومترات من الشريط الحدودي مع أثيوبيا يجعله تحت التهديد، ليمر عبر الخرطوم، وشمالاً حتى عطبرة ثم ميناء التصدير، على الرغم من أن هذا الاتجاه أطول من الخيار الأول وأكثر كلفة مالية، ولكن أكثر أمناً، وقد تعرض الخط الى عمليات تخريب محدودة من حركات جبهة الشرق التي كانت تتخذ من أراضي اريتريا منطلقاً لها، وأحياناً هددت هذه الحركات حركة النقل بين بورتسودانوالخرطوم عبر كسلاوالقضارف. هذه العمليات العسكرية على الشريط الحدودي لحركات التمرد أدت الى عدم الاستقرار، ودفعت بالمواطنين الى اتجاهي النزوح واللجوء، والى الفقر والمرض، وضنك العيش، والحياة في معسكرات، بالاعتماد على الإغاثة الغذائية منها والعلاجية وتضررت النساء والأطفال والعجزة وضرب القادرين في أرض الله الواسعة، فتخلخل النسيج الاجتماعي وتفككت روابط الأسر، فتوقف العمل في الزراعة، ونفقت المواشي، وهاجرت الحياة البرية الى حيث الأمان.. وفوق هذا كله كان ازهاق الأرواح، وفقدان أنفس عزيزة وكريمة، ومع هذا أيضاً نجد الانفاق الحكومي على القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى لمواجهة الأوضاع، فبدلاً من توجيه الأموال نحو التنمية والإعمار يتم صرفها في معينات الحرب، وأثيوبيا ذاتها تعرف أن حدودها مع السودان من الأهمية بمكان، فعبرها تجد المنفذ الى ميناء بورتسودان لصادراتها ووارداتها، لأنها دولة مغلقة لا ساحل لها على البحر، ولها في السودان مصلحة في استيراد البترول عبر البر في الطريق الممهد من مصافي الجيلي شمال الخرطوم بحري، الى داخل أراضيها في المتمة التي تفصلها عن القلابات السودانية خور ابونخيرة، والحرب الأهلية في اثيوبيا أدخلت الى السودان مايقارب المليون لاجئ وبصحبة الكثير من المشاكل.. إن الهجرة الاثيوبية الوافدة تشكل هاجساً أمنياً وهي وافدة عبر الحدود المشتركة، وخاصة حدود السودان في ولاية القضارف مع اثيوبيا، والبعض منهم وخاصة من اريتريا يتخذ من السودان معبراً الى ليبيا عبر عوينات في طريقهم الى ايطاليا والى بقية دول أوربا، ولكن قوات الجمارك السودانية تقوم بدور الشرطة الليبية بإعادتهم بدلاً من أن تغض الطرف وتدعهم يذهبون خاصة في عهد الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، الذي أذاق السودان أنواعاً من الأذى، فما كانت حكومته تستحق أن تقوم سلطات الجمارك السودانية بدور شرطيها، فالحدود إذن قد تكون معبراً للتهريب بأنواعه من تهريب للبشر، وتهريب للسلاح، وتهريب للمخدرات، وتهريب السلع الممنوعة، وخاصة في السودان مثل الخمور. إن العمالة الوافدة الاثيوبية تزداد يوماً بعد يوم، واللافت أن الوافدين من صغار السن بين عمرالخامسة عشرة والخامسة والعشرين، وهي أخصب فترات الانجاب عند المرأة والمراهقة، وعنفوان الشباب عند الرجال، وتتدثر الفتيات بالحجاب والنقاب والثياب السودانية، ويضربن بخمرهن على جيوبهن في ثقافة إسلامية فرضتها عليهن ظروف الهجرة الى السودان، مع تخضب بعضهن بالحناء، فإذا استمرت الأحوال هكذا يقيني أنه بعد عشر سنوات من الآن سيبدأ ميلان كفة الميزان السكاني وليس التجاري، لصالح اثيوبيا إذ أتوقع أن يبلغ العدد مايقارب خمسة ملايين شخص بواقع خمسمائة ألف فرد في العام، وقد يزيدون ولا ينقصون، ونلحظ أن هذه الهجرة الأثيوبية قد دخلت كل أرجاء البلاد، وسكنت في جميع أنحاء العاصمة المثلثة، بعد أن كانت محصورة في زمان مضى في الديوم، والجريف غرب، وشرقها مع وجود التزاوج بينهم وبين الشباب السوداني، لارتفاع تكاليف الزواج من سودانية، وانخفاضه الى حد أدنى من الاثيوبية، وقد انتشرت ثقافة الأكلة الاثيوبية (زقني)، ونرى لها مطاعم، ونرى دكاكين للأزياء الاثيوبية ولافتات في عدد من شوارع العاصمة باللغة الأمهرية، ويسكن أثيوبيا ما يقارب ثلاثة أضعاف سكان السودان، مما يجعلها تشجع الهجرة الى السودان صاحب الأرض الواسعة بقليل من السكان، ونختم بالقول فلو دعمت اثيوبيا مالك عقار في الحرب لاضطرب الأمن على طول الشريط الحدودي لولاية النيل الأزرق، وشمالا حتى حدودها مع ولاية سنار واقليم بني شنقول الأثيوبي.