ظروف قاهرة منعتني من تلبية الدعوة التي وجهتها لي الأخت زينب محمد الحسن مسؤولة الإعلام بوزارة المالية بولاية الخرطوم لحضور ورشة مسودة قانون التجارة وحماية المستهلك التي نظمت بمجلس تشريعي الخرطوم. وحرصي على الحضور عنوان الورشة والذي يشير بوضوح إلى أن هناك أمراً سيدبر بليل لأمر التجارة وربما هناك سياسات جديدة في طريقها للدخول داخل «شبكة القوانين الأصلاً موجودة».. ودائماً نقول العبرة ليست في القوانين بل في تنفيذها وهذا هو التحدي الأول الذي ينتظر الدولة.. فالتجارة أصبحت «فالتة» وهي الآن حصان «جامح» يجري في بيداء واسعة ولا يستطيع أحد اللحاق به والذي يقترب من «ذيله» فإن «رفسة» قوية في انتظاره. ترمومتر الأسعار وفوضى الأسواق في تصاعد كبير وخطير وكاد يهدد الجبهة و الوضع الداخلي.. وهو ما عبر عنه بوضوح أخونا «فارس» في كاريكاتيره الذي يدور في شكل حوار بين اثنين من المواطنين «المعدمين».. أحدهما قرأ الصحيفة التي حملت تصريحات د. نافع والتي يقول فيها إنه يعرف الطابور الخامس فرداً فرداً فجاء رد زميله قائلاً بيتكلَّم عن السوق!! ü الآن السوق تنظر إليه «دولة الخرطوم» من خلال مسودة قانون التجارة والذي تجري مناقشته الآن. نظرة الخرطوم تبدو أنها لم تحسم بعد .. فوالي الخرطوم د. عبد الرحمن الخضر ينفي اتجاه حكومته لإلغاء سياسة التحرير الاقتصادي.. وفي ذلك الوقت يقول إن السياسة ليست بقرة مقدسة.. وذهب مباشرة لرفض مقترح وزير المالية الذي دعا فيه لإعادة توزيع السلع الاستهلاكية ببطاقة التموين. والسلع المقصودة هنا هي سلعة السكر.. وواضح أن كل الطرق قد فشلت تماماً في توفيرها للمواطن بالصورة المطلوبة والسبب ببساطة - على عكس ما يعتقد الكثيرون - إن الدولة لا تدعم سلعة السكر. وأسألوا أصحاب «الوجعة» المنتجين كم تبلغ تكلفة جوال السكر تسليم المصنع مقارنة بسعره في رف الدكان.. طبعاً الإجابة واضحة الفرق كبير والسكر سلعة «مسكونة» ب «الرسوم» فإذا كانت الدولة جادة في دعم هذه السلعة «المصيبة» فعليها رفع يدها عن حكاية الرسوم وأن تبتعد عن سياسة الاحتكار في عملية التوزيع وأن تسمع على الأقل وجهة نظر تجار السكر الحقيقيين الذين عملوا في هذا السوق ردحاً من الزمان من قبل أن يزاحمهم تجار التعبئة الجدد. التجار كانوا يستلمون حصتهم مباشرة ويضعون هامش ربح لا يتعدى «الجنيه» و«الجنيهن» !! و بارك الله في من «نفع» و «استنفع» ü أزمة الغلاء واضحة وضوح الشمس وليس لها علاقة بالتراجع عن سياسة التحرير أو تثبيتها.. الأزمة تكمن في فرض هيبة الدولة وتفعيل القوانين العادية وإبعاد السماسرة وتجار «التعبئة» وجماعة «...... » من مكاتب الدولة الرسمية بالنهار وعدم الرد على تلفوناتهم ليلاً. وأهم من كل ذلك عدم الضحك على «الدقون» مثل تصريحات البعض بتوزيع السلع الإستهلاكية عبر منافذ البيع بمرافق الدولة للعاملين .. مكاتب الدولة للعمل و ليست «كناتين» أو «تعاونيات»