أفرح كثيراً حين أرى واحداً من أبناء بلدي يشق طريقه نحو الرصانة بأدوات المعرفة والإحاطة والإلمام والتفطن والقدرة على الإبانة، ومن أولئك الذين جذبوني ففرحتُ، الأستاذ الطاهر حسن التوم ولكي (تكتمل الصورة) أعود لتجربته في «مجلة الخرطومالجديدة» التي تطالعها من غلافها الأمامي حتى إعلان شركة كنانة في الغلاف الأخير دون ملل ودون رغبة في مغادرة دفتيها، لقد رسخ بمجهوداته تجربةً تستحق الإشادة في مضمار صحافة المجلة التي ظلت تفتقدها تجاربنا الصحافية في هذا الحقل ويبدو أن تلك التجربة منحتهُ قدرةً إضافية ليكون واضحاً وقاطعاً وجاذباً في تجربته التلفزيونية التي تختلف بطبيعة الحال عن التجربة المقروءة، فهي تحتاج إلى الحضور والقدرة على إدارة الحوار والإلمام المنهجي والمعرفي والمعلوماتي بالقضية المطروحة وطريقة العرض ومتانة التقارير المُصاحِبة للمادة موضوع النقاش والطلاقة والانسياب والتدفق والإمساك المتمكن بركائز الحوار وإدارته على نحو حيوي وجاذب، وقد نجح الطاهر في ذلك أيَّما نجاح. في مكتبة قناة النيل الأزرق الأرشيفية الآن مادة تصلح لأن تتحول لكتب ترفد المكتبة السودانية بأدب السِّيَر الذاتية والشهادات غير المجروحة، كان وراءها الطاهر واستطاع تغزيرها باقتدار من خلال الأسئلة الكاشفة ومن تلك حواراته الممتدة مع الأستاذ مهدي إبراهيم وعبد الباسط سبدرات والدكتور عبد الله علي إبراهيم، هذا بخلاف التدوين الفكري النَّير للبروفيسور إبراهيم محمد زين. لقد أصبح برنامجه (حتى تكتمل الصورة) الذي تبثه قناة النيل الأزرق كل أسبوع، منبراً مهماً لتعميق الثقافة الديمقراطية وساحة من الساحات الفاعلة في إدارة الخلاف بوسائل ديمقراطية الانتماء مُنطَلَقاً وهدفاً، والبرنامج في حد ذاته ينفي بصورة قطعية وجود واقع إعلامي مأزوم بتأكيده أن الصدور متسعة اتساع مساحات السودان من خلال فتح شبابيك الحوار على جميع الإتجاهات بما يجدد حيوية البرنامج. البرنامج يجب ألا يتوقف لأن الصورة لن تكتمل لأن باكتمالها يتوقف الحوار وإذا توقف الحوار فذلك ما يعني بسط مشيئة فكرية معانيها على الخلافات الأخوي. المطلوب من الطاهر ألا يحصر كل هموم البرنامج في الخلافات السياسية بل يمتد إلى أجناس أخرى من الخلافات في الثقافة والفنون وأن يتوغَّل بعمق في سيسيولوجيا النسيج السوداني الثقافي الذي يدخل في تكوين الاختلاف السياسي.