مع أن صباح العيد توشح بخبر حزين يدمي القلوب.. إلا أن للعيد سطوته.. أكثر من مائة رسالة تهنئة بالعيد السعيد وصلتني.. أصبحت الرسالة الهاتفية تلعب أدواراً أكبر وتتعدد وظائفها.. ولو أن الرسائل قللت من الزيارات واللقاء الشخصي.. أيام ما قبل الموبايل.. حيث يظل الباب مفتوحاً..أنظر كم زائر افتقدت طلته الحميمة بسبب الرسائل.. هناك طبعاً من يتصل مهنئاً بمكالمة هاتفية.. وهناك من يعايد برسالة وبمكالمة وربما وجدوا أن الرسالة وحدها لا تكفي.. تأملت كل هذه الرسائل أسلوبها.. شكلها.. مصدرها.. أول ملاحظة أن الرسائل سليمةإملائياً وبعضها يجنح إلى البلاغة من بيانها كنايات واستعارات.. ومن بديعها تورية ممراحة.. وبعضها مال إلى تحلية الشكل بقلوب وإشارات.. ربما تشير الرسالة إلى أسلوب وطريقة راسلها.. ربما تتعلق بالحالة المزاجية التي يمر بها.. فهناك من يستخدم عبارات مقتضبة مألوفة.. عيد سعيد.. كل عام وأنتم بخير.. ويكتفي بذلك.. وهناك من يعمد إلى عبارات غير تقليدية ويجتهد في رسالة واحدة يبعث بها إلى جميع معارفه.. وهناك من يخاطب كلاً برسالة خاصة.. وهذه عادة ما تكون أوقع أثراً.. وعادة تأتي من شباب يقدروننا.. بطريقة وبأخرى.. فالرسائل القليل منها مبتدع والكثير منها مأخوذ من رسائل شائعة.. فقد وصلتني رسائل تحمل نفس العبارة مثل: كل عام وأنتم ألق الأعياد وصندل رائحتها ونور لياليها.. وعبق فرحتها.. وهم من فئة الشباب.. البعض يستلهم الشعر العامي والفصيح ويحوره حسب المناسبة.. أيضاً يدخل التدين في الموضوع.. فقد بعث لي صديق وهو ضابط شرطة مرموق برسالة تقول: ينادي منادي يوم القيامة: من له حق على الله فليتقدم.. فيستعجب أهل الحشر فيتقدم العافين عن الناس.. العفو والعافية وعيد مبارك.. وهناك رسائل موجهة إليك شخصياً.. حقيقة عرف الأدب العربي ما يسمى بأدب الرسائل.. ثم ظهر أدب التوقيعات.. وهو عبارات موجزة يلحق بالطلبات الرسمية.. وقد تمكن الموثقون من انتخاب بعضها.. وكانت تدرس بصفتها من الفنون الأدبية العربية.. وأزعم أنه ستقوم لهذه الرسائل سوق.. وقد يصل البعض إلى انتخاب رسائل للمعايدة مصاغة بفن.. لينتقي منها الناس ما يشاءون.. فزمان كانت شائعة بعض الكتب وسط المراهقين اسمها الرسائل العصرية.. وفيها رسائل عاطفية لكل أمر يمر بالعشاق.. ما على المحب إلا أن ينقلها وراجت حتى انكشف أمرها.. ومن طرائف ذلك أن صديقنا الشاعر الكبير.. أحب ابنة جيران خاله.. وبدأت بينهما لغة الإشارات.. حتى تحولت إلى رسائل.. حتى أرسلت له رسالة.. منقولة من كتاب الرسائل العصرية.. وفي نهايتها كلمة صفاء.. قرأ الرسالة.. واجترأ على مخاطبة الفتاة حين التقى بها بمفردها.. إزيك يا صفاء.. فأجابته أنا لست صفاء أنا وداد.. فاندهش متسائلاً عن الاسم الموقع في الرسالة.. فقالت له بكل بساطة وسذاجة معاً: أنا مانقلتها من الكتاب بي ضبانتا.. ربما كانت تلكم حبيبته الوحيدة التي لم يكتب عنها قصيدة.