دعوة كريمة قدمتها لي شركة سكر كنانة لحضور افتتاح موسم الانتاج هذا العام ولقد قبلت الدعوة ولكني أعتذرت قبل الرحلة بساعات وذلك لظروف ممارضتي والدي وضرورة الوقوف الى جانبه ولكن ساعة الاحتفال شردت بذاكرتي الى كنانة التى احببتها منذ وقت طويل وقد زرتها مراراً ولأنني أعتقد بأن (كنانة) كمشروع تكاملي في إطار التعاون العربي المشترك لم تكن مجرد فكرة لإنشاء شركة لإنتاج السكر وإنما بدأت الفكرة في بداية عقد السبعينات من القرن الماضي في إطار يهدف لتوطيد أواصر التعاون المشترك بين الدول العربية سعيا نحو التكامل الاقتصادي العربي كواحد من أهم عناصر تعزيز الأمن القومي العربي، بجانب الإسهام في تحقيق الأمن الغذائي العربي باعتباره شعبة رئيسية في مكونات الأمن القومي العربي . ويرجع منشأ الفكرة الى بداية سبعينات القرن الماضي وكان الهدف الأساسي منها هو الاستغلال الأمثل لمزيج يتكون من الخبرات العربية والثروات المالية العربية وثروات السودان الطبيعية ، بجانب الاستفادة من الخبرات والقدرات التمويلية الغربية التكنولوجية للتكامل مع هذه الجهود العربية خاصة في مجال العون الفني , وذلك من اجل إنشاء صرح صناعي / زراعي يحقق الأهداف المرجوة منه في إطار الاستعداد للدخول في القرن الحادي والعشرين وعصر العولمة . وبعد جهود وعثرات وإخفاقات هزمتها العزائم الصلبة لأهل السودان والإصرار الذي لا يعرف الوهن ,والإيمان العميق بان التحدي لابد ان يواجه بالجدية والتصميم استقبلت المطاحن الحمولة الأولى في التاسع والعشرين من شهر فبراير عام 1980 وفرغت منها في الخامس عشر من شهر يونيو من ذات العام وكانت الحصيلة (21.912) طن من جملة (330.176) طناً من القصب وعندما نقارن هذه الأرقام بآخر أرقام ندرك عظمة المسيرة التي قطعتها كنانة منذ يوم الافتتاح الرسمي في الثالث من مارس عام 1979م والمتصاعدة عام بعد عام. وتعتبر الجهات الرئيسية المساهمة في شركة سكر كنانه هي حكومة السودان، وحكومة الكويت، وحكومة المملكة العربية السعودية، والشركة العربية للاستثمار، ومؤسسة التنمية السودانية (مصرف التنمية الصناعية حالياً)، الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي، ومجموعة البنوك التجارية السودانية وشركة الخليج لمصائد الأسماك المحدودة، الى جانب شركة لونرو المحدودة، وشركة نيشوايواي اليابانية . بعد البحث فى خيارات ثلاثة لموقع المشروع وقع الاختيار على المنطقة حول قرية (الصفية) شرق مدينة كوستيوجنوب مدينة ربك حيث يتمتع هذا الموقع بسهل فيضي غني بالطمي بجانب قربه من مجري النيل الأبيض بمياهه الوفيرة، وبالإضافة الى توفر بعض الميزات الأخرى الضرورية مثل سهولة النقل وتوفر الطاقة الكهربائية ومواد البناء مثل الرمل والحصي والأسمنت , وكذلك الطقس الملائم بصورة مثالية لزراعة قصب السكر , وتقع هذه الرقعة الجغرافية قرب مدينة ربك (حاضرة ولاية النيل الأبيض) وتبعد مسافة (27) ميلا جهة الشمال الغربي على الضفة الشرقية من النيل الأبيض، وحوالي (265) كيلو متراً جنوبالخرطوم , ونحو (1200) كليو متر من ميناء بور تسودان , وتمتد طرق الموقع الرئيسية الى حوالي (328) كليومتراً مربوطة بشبكة من الطرق الفرعية يربو طولها على (1500) كيلو متر , ويتم ري الأراضي المزروعة باستخدام محطات ضخ تقوم برفع الماء الى مستوي حوالي (46) متراً فوق منسوب مياه النيل الأبيض عبر قناة رئيسية حيث تنساب المياه انسيابا طبيعيا لتغذية القنوات الفرعية المخططة وفقا لمستويات الأرض . وقد أطلق على هذه الرقعة الجغرافية اسم ( كنانة) نسبة لقبيلة كنانة التي كانت تقطن المنطقة , وهى كما هو واضح تنتمي الى قبيلة كنانة العربية المعروفة التي هاجرت منها أقسام كثيرة الى مختلف الأقطار العربية ومنها السودان في أوائل القرن السادس عشر وهى قبيلة تنقسم الى فروع بدوية كلها تمتهن الرعي . ويرتبط اسم (كنانة) فى اللغة العربية بأنها تعني مخازن الغلال ومستودع أو حافظة الأسهم. ... (ونواصل)