ü إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن على هذه المأساة القبلية الحزينة!! قبل أعوام قليلة كنا في ديار الغربة نفتخر بأن السودان خالٍ من نعرة «القبلية».. والقبيلة نعتبرها كياناً ثقافياً واجتماعياً يلتف الناس حوله لحفظ الأنساب والأصول و مستودعاً للتراث .. ولم يكن يخطر في البال أن تتحول القبيلة إلى «آلة» «جهنمية» تحصد تحت رايتها آلاف الأرواح البريئة !! ü قبل سنوات ذهبنا لدارفور وإلى عاصمة ولاية جنوب دارفور مدينة نيالا .. وجدنا الوالي حزيناً ومتأسفاً و قال إن كل القبائل ترفع السلاح ما عدا واحدة!! ما نراه الآن من قتال دامٍ في غرب كردفان «الفولة» وفي شمال دارفور «جبل عامر» هو قمة الجليد «الظاهرة».. - ما خفي أعظم - هذه ظواهر وإن كانت مؤلمة فهي عرض لمرض مزمن آن الآوان لعلاجه واقتلاع جذوره نهائياً.. وإلا فإن مسلسل الصراع القبلي لن ينتهي عند هذا الحد.. ستشتعل النار هنا وهناك ويزيد لهيبها لتأكل الأخضر واليابس.. ما نراه هو منظر لفيلم قادم اسمه «تفكيك» السودان ل «عناصره الأولية» وإرجاعه «لبطن أمه الأولى» أيام ما قبل دولة الفونج إلى عهد القبائل والبطون و «الأفخاذ» والكيانات الصغيرة الهشة التي لا تتعدى نظرتها أبعد من حوش العائلة و دار أبناء العمومة؟! ü انظروا لأحداث الفولة.. صراع داخلي بين قبيلة واحدة هم المسيرية.. إذا رجعنا إلى ثلاثة عقود من الزمان وسألنا كبار وعقلاء هذه القبيلة سيقولون لنا العجب.. لا خلاف ولا صراع ولا مشاحنات ولا سلاح في أيدي الناس بهذه الضخامة التي توازي ما تحمله الجيوش والقوات النظامية.. أصل المشكلة صراعات وديات وتعويضات لم تجد طريقها للحل والتنفيذ.. «صغرت الحلول» و «ضعفت» مظاهر السيادة والدولة والقانون و«كبرت» المطالب والمظالم والاستخفاف بقوة الدولة و«هيبتها»!! في دارفور ذات الحال ونفس الإيقاع مظالم ومساومات وترضيات وإعلاء لصوت القبيلة والعشيرة على مبدأ «النظام» والدولة!! ü الصورة مأساوية وبالغة التعقيد وجبهة داخلية في طريقها للتفكيك والتشرذم بفعل هذه الصراعات القبلية المتصاعدة والتي تشير كثافتها وضآلة أسباب «إشتعالها» في قيامها إلى خلل كبير في نظام الحكم و«الإدارة». نظام طالما تحدث الناس عن «سواءته» وإخفاقاته وقصوره الإداري في معالجة قضايا الناس ومظالمهم ومصالحهم الحيوية!! ü لقد وضح بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا النظام المسمى بالحكم الولائي والذي وجد طريقه للتطبيق بعد تسعينات القرن الماضي أنه واحد من أكبر أسباب تفاقم الصراع القبلي واستشرائه بهذا الشكل «المؤلم»!! ü يجب أن يفكر الناس وهم يتداولون قضايا الديمقراطية والحل السلمي وإقرار الدستور الدائم.. مهم جداً التفكير الجاد في وضع حد لحالة «المحاصصة» القبلية والتي أعادت السودان قرون عديدة للوراء!!