الحضارة الصينية أقدم حضارات الانسان وتقدر بدايتها قبل 1,7 مليون عام حيث عرف كيف يستعمل النار ويسيطر عليها، وتظهر الأدلة على أن الصينيين هم أول من إكتشف الزراعة في شمال الصين، في أرض أعلى بقليل من مستوى فيضان النهر الأصفر خلال الفترة الممتدة ما بين 10,000- 12,000 ومن هذه المنطقة إنتشرت على ضفاف أنهار الصين وظهرت مجتمعات قروية فيها ثقافات معقدة تستخدم حجر اليشب والخشب للحفر، وتم تدجين الدخن والأرز وبإختراع البرونز والحديد والمحراث والساقية والعجلات ثم شق الأقنية للري، بالاضافة الى الدخن والأرز ثم تدجين القمح والذرة البيضاء والفول السوداني والبطاطا والفول السوداني والبذور الزيتية والقطن والحرير والشاي قبل أكثر من 7,000سنة قبل الميلاد وقد أدخلت الزراعة في الصين البشرية الى العصر الحجري الحديث (النيوليثك) وبالزراعة تكونت مجتمعات حضارة العصر الحجري الحديث التي توسعت لاحقاً الى المدن وبإختراع الكتابة تكونت الثقافة الصينية المستمر أثرها منذ عصور الممالك الأسرية الى المبراطوريات، الى العصر الحديث كمجتمع زراعي إقطاعي إمبراطوري ذاق مرارات حرب الأفيون ثم تحول الى شبه مستعمرة للقوى الإمبرايالية الغربية. وقد أعتبرت عبقرية ماوتسي تونغ في الصين أنه نقل الفكر الماركسي من طبقة العمال إلى طبقة الفلاحين في أعظم إضافة فكرية له ألى الماركسية في تقريره المشهور عن الفلاحين في هونان في منتصف العقد الثالث من القرن العشرين تحديداً العام 1927م ما أدى الى بروزه في قيادة الحزب الشيوعي الصيني ووصوله الى منصب سكرتيره العام ثم زعامته للحزب بعد ذلك، وقيادته مسيرته الناجحة حتى إعلان جمهورية الصين الشعبية. كان المجتمع الصيني في مطلع القرن العشرين في أوج التفكك، تفككت السلطة المركزية، إذ في بضعة عقود شهد نظام ظل على حاله طيلة آلاف السنين انهيارا تحت ضربات التغلغل الامبريالي خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. لم ُتحول كل تلك التدخلات الصين إلى مستعمرة تقليدية، تديرها مباشرة بلدان امبريالية، لكنها أدت إلى عواقب مشؤومة عديدة منحت القوى الاستعمارية نفسها امتيازات ترابية حيث تمارس سيادة فعلية. كما كانت تحصل على امتيازات لتشييد خطوط سكك حديد وإعفاءات جمركية كبيرة تتيح استيراد السلع المصنعة بأوربا إلى الصين بأسعار منخفضة جدا. وعلى هذا النحو جرى تنظيم نهب منهجي. وكانت إحدى عواقب ذلك الهامة انهيار الصناعة الحرفية بفعل المنافسة. وزال قسم هام من موارد الفلاحين الصينيين. كانت غالبية المجتمع الصيني في مطلع القرن العشرين لا تزال مكونة من الطبقات التقليدية : الملاكون الفلاحون الصغار، والأعيان القرويون، والملاكون الأغنياء الذين كانوا يشكلون مع الموظفين الطبقة السائدة في الصين الإمبراطورية. لم يكن الملاكون يفلحون أراضيهم، إذ كانوا يحصلون على ريع عقاري يقدمه المزارعون. و خارج هؤلاء الأعيان، يمكن تمييز مختلف أشكال الفلاحين المالكين، فثمة الفقراء، والمتوسطون، والأغنياء. لكن هذا الغنى نسبي جدا! لم يكن 68 بالمائة من الفلاحين يملكون غير 22 بالمائة من الأراضي، فيما يملك 10 بالمائة من الفلاحين الأغنياء والملاكين العقاريين 53 بالمائة منها. وعلى هؤلاء الفلاحين يقع عبء الريع العقاري والضريبة. و قد يبلغ الريع العقاري الواجب دفعه للمالك العقاري 50 بالمائة من المحصول الزراعي. وكانت الضرائب أكثر فأكثر ثقلا مع جبي ُمسبق. إذا أضفنا إلى اللوحة خراب الصناعة الحرفية و مصيبة الربا ( غالبا ما كان المرابي والمالك العقاري الشخص ذاته) وأضرار الامبريالية اليابانية بدءا من 1937، يمكن إدراك إلى أي حد كان وضع أولئك الفلاحين، الفقراء والمضطهدين تقليديا، قد تفاقم لدرجات غير قابلة للتحمل. إن هذا هو التفسير الأساسي للدور الثوري للفلاحين الفقراء في القرن العشرين. انبثقت تحت تأثير الامبريالية طبقتان ُمميزتان للمجتمع الرأسمالي، البرجوازية والطبقة العاملة. تتكون البرجوازية من شرائح عديدة. و يشكل الكومبرادور برجوازية مرتبطة المصالح مباشرة بالامبريالية ( كانوا يقومون بدور الوسيط). وكانت الشريحة الأخرى مكونة من البرجوازية الوطنية: كبار تجار المدن، و رأسماليون وطنيون، و مثقفون حضريون. وكانت هذه البرجوازية تبدي مشاعر مناهضة للامبريالية، لكنها ضعيفة ووجلة ومرتبطة بالكومبرادور وبالأعيان القرويين. وسيتضح عجزها عن قيادة ثورة برجوازية معادية للامبريالية وللإقطاع. و بوجه مهام الثورة البرجوازية (الإصلاح الزراعي، النضال ضد امتيازات الإقطاعيين، توحيد البلد، التصنيع و المعركة ضد الامبريالية، الخ) ستستسلم هذه البرجوازية أمام القوى الأشد رجعية (الأعيان القرويون، الامبريالية)، وتترك قوى اجتماعية أخرى تضطلع بتحقيقها سيكون ذلك دور البروليتاريا. كانت الطبقة العاملة حديثة التشكل. و كانت قليلة العدد (2 مليون)، ومركزة ببعض المدن (شنغهاي، هانكو،تينتسين...). وبفعل فرط استغلالهم، سرعان ما كسب العمال الوعي الطبقي ومشاعر معادية للامبريالية، وأبانت الطبقة العاملة في سنوات 1920 قوتها بإضرابات هامة ونشأت نقابات قوية. باختصار كانت صين القرن العشرين سائرة، بتأثير الامبريالية، إلى التحول إلى مجتمع يسيطر به نمط الإنتاج الرأسمالي، و تتجلى سيطرة نمط الإنتاج الرأسمالي هذه في تطور متنام لسوق رأسمالية صينية ( مرتبطة بالسوق العالمية)، وفي كون الطبقات السائدة، البرجوازية والأعيان القرويين، ُمدمجة مباشرة في تلك السوق الرأسمالية، لكن هذه التشكيلة الاجتماعية هجين تحت وطأة مجتمع في طور تفكك، حيث تتفاقم الأعباء التي على كاهل أغلبية الفلاحين. وعلاوة على هذا تتفكك الدولة، وتنقسم إلى جملة سلطات إقليمية، أي ما يسمى أمراء الحرب . كانت هذه السلطات الإقليمية أشبه بشكل من عصابات قطاع الطرق منها إلى سلطة في مجتمع حديث. لم تفض ثورة 1911 (الثورة الصينية الأولى) التي أقامت الجمهورية سوى إلى تعميم تفكك العالم الصيني. وبسرعة أبانت الطبقة السائدة الجديدة، البرجوازية، إفلاسها. وكان على البروليتاريا أن تضطلع بدور البديل. كان الكومينتانغ، المؤسس سنة 1905 من طرف صون يات صن، يمثل حزب البرجوازية الوطنية، التقدمية والمعادية للامبريالية في الأصل. لكن، إن كانت البرجوازية الوطنية قد ظهرت في لحظات ما كقوة معادية للامبريالية، فقد أدى ضعفها وخوفها من الجماهير، لما انضم إليها الشيوعيون، إلى سقوطها في أحضان الامبريالية والتعاون مع الأعيان القرويين، وبذلك لم تعد بالنسبة للثورة غير جسم ميت. لا بل ستتحول إلى سلطة مدنية للثورة المضادة. وبدءا من 1924 عبر الحزب الشيوعي الصيني، بإيعاز من الأممية الشيوعية، عن أوهام كبيرة بصدد قدرات الكومينتانغ المعادية للامبريالية، و أسند إليه الهيمنة في السيرورة الثورية القادمة. إنها الحقبة التي كان ستالين، وقد بات سيد جهاز الحزب الشيوعي السوفييتي والأممية الشيوعية، يبلور مع بوخارين نظرية الثورة عبر مراحل التي تميز بوضوح مرحلة أولى ديمقراطية برجوازية يجب أن تكون فيها هيمنة الكومينتانغ (حزب البرجوازية) كلية. وبعد تحقيق هذه المرحلة يمكن الانتقال إلى النضال من أجل الثورة الاشتراكية لكن بعدها فقط! وخلال المرحلة الأولى يجب على الحزب الشيوعي الصيني ألا يكون غير الجناح اليساري، المنضبط، للكومينتانغ. لكن هل كان الكومينتانغ ( الذي يقوده بعد وفاة صون يات صن في 1925 تشيانغ كاي شيك) مستعدا لتحقيق الثورة البرجوازية. في 1927 دخلت الصين الإعصار الثوري؛ وفي بضعة أشهر حاز الحزب الشيوعي الصيني تأثيرا جماهيريا بين العمال، وضاعف عشر مرات عدد أعضائه، وأصبح في قيادة نقابات عمالية قوية إنها الثورة الصينية الثانية أبانت البرجوازية عن حدودها، واصطفت في معسكر الثورة المضادة. وأدى الحزب الشيوعي ثمنا باهظا عن أخطائه في التقييم، حيث جرى طرده من المدن و تحطيم نفوذه وسط العمال. وكانت مسؤولية الأممية الشيوعية وستالين مسؤولية كلية، تم سحق الحزب الشيوعي وطرده من المدن ولن يدخلها سوى مع الثورة الظافرة في 1948-1949م، لم يبق من الحركة الثورية القوية في متم 1927 ومطلع 1928 غير بقايا جيوش فلاحية تتراجع في فوضى. كان ماو تسي تونغ، ابن فلاح والعضو بالحزب منذ تأسيسه، اختصاصيا داخل الحزب في المسائل الفلاحية قد أكد على القدرة الثورية الكبيرة الكامنة لدى الفلاحين الفقراء، ورأى ماو أنه بعد سحق ثورة 1927، أن يؤول الدور الثوري الغالب إلى الطبقة الأشد عرضة للاضطهاد في المجتمع الصيني، أي إلى الفلاحين الفقراء. كانت الأداة الرئيسية للحزب الشيوعي الصيني هي الجيش الأحمر. تشكل الجيش الأحمر من الفلاحين المسلحين الذين تربوا بتربية سياسية ثورية وسلوك حميد في الوسط الفلاحي، وقطع هذا الجيش مع ممارسات الجيوش التقليدية اللصوصية. استوعب ماو وقادة الحزب الشيوعي الصيني دروس أخطاء ثورة 1925-1927، ودافعوا دوما عن استقلال الحزب الشيوعي الصيني والجيش الأحمر. كان الحزب الشيوعي الصيني في الواقع قد حدد على نحو مستقل خطا سياسيا مختلفا عن نهج الأممية الشيوعية، هذا بالأقل فيما يخص الصين. فاستقلال الحزب الشيوعي الصيني والجيش الأحمر والأهمية الأساسية للفلاحين عنصران أساسيان يميزان الخط السياسي للحزب الشيوعي عن الأرثوذكسية الستالينية. يمثل غزو الجيوش اليابانية في 1937 محاولة أخيرة من الامبريالية لتحويل الصين إلى مستعمرة. وكان عنف الغزو، و أعمال العنف ضد الأهالي، وتدمير الصناعة بالساحل، جعلت الشعب الصيني بكامله ينتصب ضد المحتل. وشهد الحزب الشيوعي الصيني، ببرهنته على انه القوة الأشد حزما ضد الامبريالية اليابانية، ازدهارا جديدا. لم يبد الكومينتانغ غير مقاومة محدودة بوجه القوات الغازية. تطورت في وضع التفكك المتسارع هذا انتفاضة فلاحية عملاقة (1946)، ستحسم معضلة الثورة ولن تترك للحزب الشيوعي غير إمكانية وحيدة، ألا وهي قيادة هذه الانتفاضة، وتحقيق الإصلاح الزراعي، وسحق نظام الكومينتانغ، واستلام السلطة في الصين.