قبل أيام تمّ تخريج دفعة عسكرية جديدة في الجنوب حملت اسم (حماة دولة الجنوب).. والحكومة في جوبا تتفاوض حول شراء أسلحة وطائرات للدولة المرتقبة.. والحديث عن العُملة الجديدة للدولة الوليدة يستمر على أعلى المستويات، وأهلنا الكرام في الشمال يضربون الدفوف ويلهبون الكفوف.. ويدعون للوحدة التي هي اليوم في قاموس الحركة الشعبية رابعة المستحيلات.. مثلها مثل الغول والعنقاء والخل الوفي. الانفصال المادي وقع بالفعل إلا إذا حدثت مُعجزة وأطاحت بكل القوى الانفصالية داخل الحركة الشعبية عن الوجود، والحركة أصلاً انفصالية نشأة وتكويناً وتطوراً، ولو أنها كانت وحدوية مثلما يدّعي بعض قادتها لاتّجهت إلى القوى السياسية الشمالية الأخرى غير المؤتمر الوطني الذي تقطع عليه الطريق وتحاول إحراجه بين الحين والآخر.. ولو أنها كانت وحدوية حقاً لعملت على تكوين جبهة سياسية عريضة مع القوى المعارضة لانفاذ برامجها عن طريق الضغوط الشعبية نحو تحقيق الوحدة.. ولكن. وحدويو الحركة يتحدّثون عن الوحدة بمفهوم الراحل جون قرنق، وحدة السودان الجديد العلماني الذي لا مكان للدين في خارطته السياسية أو الاجتماعية، وهؤلاء من ذوي الأصوات العالية والحضور اللافت في المنابر الخارجية وأجهزة الإعلام، هؤلاء يمثلهم السادة باقان أموم، والدكتور منصور خالد، وربيكا قرنق، وغيرهم ممن كانوا يحملون اسم مجموعة (السودان الجديد) في حياة قائدهم وزعيمهم الراحل، ثم حملوا اسم (أولاد قرنق) بعد رحيله. الاستفتاء على تقرير المصير نرى أنه (تحصيل حاصل) ونقول للشريكين لقد قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان، وها هو نائب رئيس مفوضية الاستفتاء يدفع بخمسين من أعضاء الحركة ورموزها ليكونوا أعضاءً بالمفوضية ورؤساء للجان الإشراف على الاستفتاء الذي اتّفق الشريكان على أن يقوم في موعده رغم الأوضاع الأمنية الحرجة في كثير من مناطق الجنوب مثل ولاية الوحدة، وجونقلي، والبيبور، وغيرها.. ورغم أن الواقع يقول بصعوبة قيام الاستفتاء في موعده لأسباب إجرائية، إذ إن الذي تبقى لموعد الاستفتاء أقل من أربعة أشهر ونصف من المنتظر أن يتم فيها فتح السجل، وفتح باب الطعون، ثم تخصيص فترة تمهيدية يتم من خلالها الترويج للوحدة، والواقع يقول بأن الذين يروجون للانفصال داخل الجنوب هم الأعلى صوتاً والأمضى عزيمة وقوة للدعم الكبير الذي يحصلون عليه من قيادات كبيرة. بعض قيادات الحركة أبدت موافقتها على تأجيل الاستفتاء ثم نكصت وتراجعت لأن الانفصاليين هم الأعلى صوتاً والأمضى سلاحاً والأثقل وزناً.. لقد انفصل الجنوب وغداً نكشف بعض ملامح هذا الانفصال الموعود.