نعم إن من رأى ليس كمن سمع، وأن الواقع في الجنوب الذي عدنا منه قبل أيام فعلا مدهش، فهناك المطاعم والمحلات التجارية والسيارات صارت كلها تحت إدارة أجانب من دولة افريقية مجاورة، بينما لا يجد المواطن الجنوبي فرصاً للعمل، في ظل الهجمة المبكرة لتلك الدولة الافريقية المجاورة التي تتبنى خط انفصال الجنوب، وتتحدث عن الانفصال باسم الجنوبيين، وتضغط عليهم بقوة للمشي في تيار الانفصال، الذي تقوده لتتحكم بعده هي في الجنوب.. فالوقائع تقول إن يوغندا الجارة التي بها أكثر من 30 مليون نسمة في مساحة محدودة تطمع في الاستفادة من مساحة جنوب السودان بعد الانفصال، لعلمها أن أهل الجنوب الموجودين والمهاجرين، لو عادوا جميعاً لن يتجاوز عددهم 6 ملايين، لذا نجدها تستبق الانفصال الذي تعمل له بوجود السيارات اليوغندية الكثيف في عواصمالجنوب، وفي الوجود حتى داخل لجان الحركة التي تعمل للانفصال، مع إصرار مستمر على أن يكون خيار الانفصال هو الخيار الأوحد، ومن هنا جاءت شبكات الاتصال اليوغندية في الجنوب، بدلاً من شبكات الشركات السودانية التي منعت من العمل هناك، كما صارت يوغندا تدفع بمنتوجاتها لأسواق الجنوب، لتسيطر عليها من وقت مبكر، ومثلها تفعل دولة أخرى لاتعلن ذلك صراحة كما تفعل يوغندا، ليصبح الجنوب بعد أن صار منطقة جاذبة يسيل لها لعاب الجيران، ومنطقة للطامعين في التمدد فيه وحكمه اقتصادياً.. وللأسف أن هذا التيار انساق غالبية الساسة ضعاف التجربة السياسية بالجنوب إليه، والذين لم يقرأوا أهداف المخطط، إلا إن ما يسعدنا هو وجود قادة مثل د. لوال دينق وزير النفط، الذي خرج علينا أمس بتصريحات تؤكد بعد نظرته، وتكشف أن العقلاء لا ينطلي عليهم تزيين الآخرين الانفصالي لهم، فقد انتقد الرجل عبر صحيفة (الشرق الأوسط) تصريحات باقان أموم التي أدلى بها ضد الوحدة، وقال لوال.. إن النائب الأول لرئيس الجمهورية زعيم الحركة الشعبية الفريق أول سلفاكير يؤمن بوحدة البلاد، وأنه قد أصدر أوامر بالعمل من أجل تحقيقها، وقال- والكلام للحكيم لوال- (أنا وحدوي على خطى الزعيم جون قرنق ومعروف أن لوال من الذين درسوا مع الزعيم الراحل وخبروه عن قرب، وعندما يتحدث فإنه ينتفض لقناعات قرنق التي حارب من أجلها سنوات طويلة، وصالح من أجلها، ومات بسببها، وكلنا يذكر آخر خطابات قرنق قبل سفره الى يوغندا قبل تحطم طائرته في طريق عودته منها ووفاته، فقد قال (إنني وحدوي)، ومن حق لوال أن يغضب بعد تنكر أقرب أبناء قرنق لقناعات الزعيم والمشي على خطى الآخرين، وقطعاً إن مثل حديث لوال ومثل التوجيهات التي قال إن سلفاكير قد أصدرها للعمل من أجل الوحدة سيكون لها أثرها، خاصة بعد أن تتكشف للجنوبيين نوايا وأجندة الانفصاليين بالداخل والخارج، والتي كلها ليست في مصلحة المواطن الجنوبي، الذي بدأ يفقد كل شئ قبل الانفصال، بتكالب آخرين على أراضيه، وبالتالي فإن ارتفاع صوت الوحدويين وتأثيرهم المتوقع على المواطن الجنوبي بوسعه أن يقفل الباب للذين يريدون أن يحكموا الجنوب، مستغلين لمن ينفذون خبرتهم من ساسة الجنوب ضعيفي التجربة السياسية، ممن ترتفع أصواتهم حالياً، ولا يجعل صراخهم مجالاً لعقولهم أن تتدبر وتفكر في غير أن يأتي صراخها ثماره.