أيام قليلة ويحزم الدكتور نافع علي نافع، حقائبه، ويحمل ملفاته ليغادر إلى العاصمة الأمريكية«واشنطن»، هو وثلّة من أصحاب الأثر والتأثير داخل حزب المؤتمر الوطني، تلبيةً لدعوةٍ من الإدارة الأمريكية، تُعتبر حدثاً نادراً في تاريخ العلاقات بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وبين السودان، منذ أن استولى الإسلاميون على الحكم في السودان، عقب انقلاب عسكري قاده العميد أركانحرب وقتها عمر حسن أحمد البشير، ودعمته الحركة الإسلامية وعلى رأسها الدكتور حسن الترابي. كان الدكتور نافع علي نافع، وظلّ طوال سني حكم «الإنقاذ» الممتدّ من الثلاثين من يونيو 1989م، وحتى يومنا هذا، ظل من أقوى المؤثرين في اتخاذ القرار بالسودان، بل ويمكن أن نقول إنه من أسس لنظام أمن دولة قوي، وظل من المتمسكين باستلهام نتائج التحليلات القائمة على المعلومات، في اتخاذ القرار، هو ومجموعة صغيرة تُعدّ على أصابع اليد الواحدة، بعد أن غاب عنها بعض أركانها ب«الرحيل المر» في أشكاله المختلفة. كنا في «آخر لحظة» أول صحيفةٍ في السودان وخارجه تنشر تلقّي المؤتمر الوطني، دعوةً من الإدارة الأمريكية لزيارة «واشنطن» عن طريق سفارة السودان في «واشنطن»، وهو ما تأكّد لاحقاً عن طريق وزارة الخارجية في «الخرطوم»، عندما قال به الناطق الرسمي باسمها. الدعوة الأمريكية الرسمية لحزب المؤتمر الوطني تجيء في وقت يتداخل فيه السفير الأمريكي مع فعاليات المجتمع السوداني المختلفة، امتدت حتى وصلت إلى زعماء الطرق الصوفية ورؤساء الأحزاب السياسية، وتلك التي تعتمد الإسلام مرجعيةً لها، ومن بينها جماعة أنصار السنة المحمديّة، وغيرها. كما تجيء في وقتٍ أخذت فيه قنواتُ الحوار العلني تمتد أمام الناظرين، ولم يعد هناك شيء يمكن أن يتم «تحت الطاولة»، وظلّت «الخرطوم»و«واشنطن» تؤكّدان على أن «التطبيع» مستمر، وأوشكت «واشنطن» على أن ترفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، لكنها أبقت عليه لشيء في نفس متخذي القرار بها، ومع ذلك خطت خطوةً جريئةً بأن قدّمت الدعوة لحزب المؤتمر الوطني لزيارة «واشنطن»، ولقاء عددٍ من متخذي القرار ومسؤولي العلاقات الخارجية في دوائر البيت الأبيض، والبنتاجون، والكونغرس بمجلسيه ومراكز البحوث والدراسات المتّصلة بكل تلك المؤسسات. متخذو القرار في العاصمة الأمريكية يعلمون أن رئيس حزب المؤتمر الوطني، والذي هو السيد المشير عمر حسن أحمد البشير، رئيس الجمهورية لن يتمكن من زيارة الولاياتالمتحدةالأمريكية، أو أي من الدول الغربية حالياً - في ظل ادعاءات المحكمة الجنائية الدولية - لكنّهم يعلمون أيضاً أن الذي سيلبي الدعوة هو نائبه لشؤون الحزب وأحد أقوى وأبرز مساعديه في الدولة، الدكتور نافع علي نافع.. وهذا الأمر قد يدعو بعض المراقبين للتساؤل حول «أجندة الحوار» المرتقب بين الطرفين، والقضايا التي يمكن أن تتم مناقشتها مع من تعرف «واشنطن» أنه أحد متخذي القرار في السودان، بحكم تاريخه وانتمائه وإرادته التي تجعل منه أحد المتحكمين في مفاصل الحكم. لي تجربة شخصية مع الدكتور نافع علي نافع، رافقتُه ذات يوم في منتصف أكتوبر من العام 2010م إلى القاهرة، في رحلة قاد خلالها وفداً رفيع المستوى من المؤتمر الوطني لبحث «القضايا المشتركة» بين البلدين، كان من بين أعضائه الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل وآخرون، وقد التقى الوفد خلال تلك الزيارة بالأمين العام للجامعة العربية وقتها السيد عمرو موسى، وبالأمين العام للحزب الوطني «المنحل» السيد صفوت الشريف، وبمدير عام المخابرات المصرية العامة، الراحل عمر سليمان، وقد شهدتُ وزميلي الأستاذ أحمد البلال الطيّب تلك اللقاءات، وشهدنا كيف «يفاوض» نافع وكيف ينتقي كلماته ويحدّد مواقفه، ليخرج الوفد من «القاهرة» وقد اتخذت السلطات المصرية قراراً كان له ما وراءه وما بعده في قضية دارفور، إذ تم طرد زعيم حركة العدل والمساواة الراحل خليل إبراهيم من الأراضي المصرية، لترفض تشاد دخوله إلى أراضيها ويدخل «ليبيا القذافي» أقرب إلى رئيس حركة محدود الإقامة. المتفائلون يتوقعون أن يعود «نافع» ب «التطبيع» مع الولاياتالمتحدةالأمريكية كاملاً.. والمتشائمون يرون أن الزيارة هي بداية لرفع الحظر قبل نهاية العام الجاري.