بسبب تسرعي التزمت بإعداد برنامج إذاعي يوثق للوجبة الشعبية السودانية الأولى ومعشوقة الجماهير «الويكة» ولنبات الويكة، وكنت أحسب أن المهمة لا تتطلب سوى البحث غير المضني، ونسيت أننا أمة شفاهية لا تهتم بالتوثيق فلم أجد من يدلني على أي مرجع ولو شفاهي... ولم أجد من «كلام الناس» سوى طرفة بروايات مختلفة سأذكرها لكم في الآخر على الوجه الذي أعرفه. أعددت أوراقي وهيأت وجداني.. فلم أجد سوى عبارات تزيد العتمة عتمةً!! فمن يقول لي متسائلاً: الويكة مش ياها «البامية» لكن مجففة.. فيجعلني أمام السؤال: هل «الويكة» بامية ناشفة؟.. اعتقد باجتهاد مني أن الويكة ليست البامية الناشفة لأننالا نذهب للبقال ونقول له: أدينا بامية ناشفة.. بل نشتري ويكة بشكلها المعروف.. وصحيح أن البامية يمكن أن تتحول إلى ويكة بعد أن «تنشف» لكن الويكة لا يمكن أن تتحول إلى بامية بعد أن تلين. سألت مجموعة من الأصدقاء عن الويكة فتحدثوا لي عن مآثرها ومحاسنها وقالوا: الويكة مابتغلط على زول!!.. وتمدد النقاش عن كون الكسرة ضرورية للويكة وجودتها هي التي تظهر جودة الويكة.. وإن لم تكن الكسرة كاربة ينعكس ذلك على مذاق الويكة فتبدو غير طاعمة. وتوصلوا إلى حقيقة مؤداها أن الويكة لا يمكن أن تؤكل بالرغيف.. وأشار البعض إلى أن المرضى الذين «تكوفر» بهم الكسرة قد يضطرون إلى أكلها بالرغيف ولكنهم اتفقوا على أن ذلك يكون مثل أكل «الحلو» الكستر أو «الجلي» بالرغيف. لم أجد منهم سوى الحديث عن محاسن الويكة ولم تذكر لها أية سلبيات بل رموا السلبيات على الكسرة.. فعلى غرار قولهم.. الفول زيت تصبح الويكة كسرة!! طرحت عليهم السؤال: أي البيئات السودانية تستخدم الويكة أكثر وتتميز بها.. فقالوا الويكة موجودة في كل أصقاع السودان في الشمال وفي الجنوب وفي الشرق وفي الغرب.. فقط قد يختلف اسمهاحسب اللهجات والتعابير للناطقين بغيرها. الطريف أن ذكروا لي أن الويكة التمام والتي تقدم في الأعراس والمناسبات تسمى: «ريالة الديك»، ورغم سخافة التشبيه إلا أن «ريالة الديك» تكون بيضاء فاقعة البياض.. ولا أفهم هل الديك أبو ريالة هذا يكون ديكاً عبيطاً.. وما الذي يجعل «ريالة» الديك تسيل سوى أنه «بعوعي وبصلتو بحمروا فيها». نعود للطرفة التي تشاع عن الويكة والتي ذكرتها لكم في بداية هذه الزاوية وتقول إنه في زمن سابق- زمن حكومة إبراهيم عبود الذي شلناه بثورة أكتوبر العارمة ثم هتفنا له بعد أن ذهب إلى غير رجعة: ضيعناك وضعنا وراك! المهم أنه في ذلك الزمن جاء وفد كبير من هيئة الصحة العالمية.. وكان الوفد يقوم بجولة في الدول النامية ليتعرف على وجبات الشعوب الشعبية ويقوم بتحليلها حتى يتعرف على فوائدها الغذائية وانعكاسها على الصحة. وعندما حضرالوفد إلى السودان أفتى له الجميع بأن الوجبة الشعبية الأولى في السودان هي «الويكة» بلا منازع، فطلب الوفد أن يتذوق هذه الوجبة الشعبية، ولم يجدوا سوى موظف من أبناء الطبقة الراقية ليدعوهم على وجبة ويكة.. ولما عرف أفراد أسرته الميسورة أنه دعا لوجبة ويكة «خواجات وخواجيات» اجتهدت الأسرة في إعداد الويكة.. وكان الاجتهاد مضراًبأن عملت الويكة على شوربة قوامها الحمام والدجاج ولحم الضأن «تأكله الكلاب». فأكلها أعضاء الوفد.. وقاموا بتحليلها أيضاً فكان تقريرهم بأن الويكة طعام كامل الدسم وفيه نسبة كبيرة من الفيتامينات ومن يأكلها قد يصاب بالتخمة.. فوجد أحد الكادحين التقرير واحتج إليهم وشكك في تقريرهم ودعاهم إلى وجبة ويكة «بالجدجد» فأكلوها وحللوها فكان تقريرهم أن الويكة وجبة لا تنفع ولا تضر وصباح الخير يا ويكة!