العزيز: أستاذنا الغالي لك الود.. ولهذه الشمس الشارقة أبداً ألف ود.. ونستأذنكم الضيافة ثانياً في نزلكم الوضيء.. فحديثكم عن أم درمان لا زال حديث اليوم وكل يوم.. ولم لا؟ فأم درمان كانت هي الإنسان وهي الزمان وهي المكان.. كانت مدينة عذراء بتول.. كتب عنها الكثيرون غزلاً وتاريخاً وتأطيراً.. كان كل ما فيها أنيقاً وسيماً متألقاً.. حدائق الريفيرا والجندول تعانق النيل سراً وجهراً.. المحطة الوسطى كانت واسطة العقد وزينة معالم أم درمان.. السوق الكبير مرتب منظم نظيف كأنما لوحة لفنان أبدع التشكيل.. ظرفاء المحطة الوسطى أبو الدفاع.. بت التور.. أبو طالب ينثرون الفرح طرائف ونوادر في عيون الآخرين.. المقاهي أنيقة رائعة منثورة حول المحطة كحبائب الخرز والياقوت.. ومن علايل أبروف ترماي الخليل الشهير شاقي الطريق، وفي أحضانه ناس أم مدرمان سمراً ولقاءً.. دار الرياضة ذلك الصرح العريق وقفشات روادها المشاهير عبد الكريم الزبير.. السر السفيه.. ميرغني جودة تبهج الرواد فرحاً وسروراً.. والحديث عن أم درمان يطول ويطول والحديث عنها طرب وشجون.. إذ كانت بأسرها كرنفالاً من الفرح ومواكب من البهجة والسرور.. تغنى بها الجميع (تلقى الدنيا باسمة والأيام طرب هنا في حي العرب).. وذلك المتيم (حليل أم در وحليل ناسا وكيف أنساها وأتناسى).. هكذا كانت أم درمان ألقاً وبهاءً بلا حدود.. حتى غزاها المغول هدماً ودماراً لكل ما فيها من جمال.. لكل شبر من أرضها ولكل نجمة في سمائها.. لكل شجرة ظليلة ولكل لوحة رائعة جميلة.. ولم تعد القبة تضوي الليل.. وما عادت الطابية تقابل النيل.. وأصبح الناس حزانى يبكون الماضي.. يحزنهم الحاضر ويخيفهم المستقبل.. ولكن ما أن سمعوا بمنادي ينادي بإعلان استقلال أم درمان، ومن داخل ذلك الحي المهدوي العريق ودنوباوي حتى علت الفرحة الوجوه.. لأن أم درمان ستعود سيرتها الأولى إنساناً وموقعاً وجمالاً.. وإن كان هذا الأمر من باب الحزن إذا ما انفصل الجنوب كما نوه أستاذنا الغالي، إلاّ أنه تعبير صادق لما يجيش بالنفوس وذلك لما آلت إليه أم درمان من واقع مؤلم حزين. أحمد حسن أحمد أم درمان - العمدة * من المحرر: سعادة الجنرال.. أحمد حسن.. لك من ود نوباوي سلام.. ومن بيت المال قبلات.. ومن العباسية.. رائعة الفلاتية(التجنن).. ومن الموردة.. عطر شارع النيل.. ودار منزول.. وأهل الهاشماب.. وكل أحياء أم در.. أشقاء وإخوة.. تيمان وأسرة.. إذا قام بالسلام لك أحد.. فهو فرض كفاية سقط عن الباقين.. والباقون.. هم.. كل حي من أحياء زهرة المدائن.. كل زقاق.. من الحبيبة التي قد برت جسدي وتدعي.. كل الدنيا حبها.. ثم.. دعني أهمس في أذنك.. إن تلك الكلمات الشاسعة.. الباهرة المضيئة المشرقة.. التي كتبها بالدموع.. عمر البنا.. وأبكانا حد النواح والنحيب.. بل (الكواريك) و(الثكلي).. أبوداؤود.. لم تكن أبداً لحبيبة.. أو معشوقة.. أو امرأة.. فاتنة نخلة.. هي فقط غزل وبكاء.. وصبابة.. وولهُ.. وتولهاً في أم درمان.. ودعني.. راجياً.. في أمل.. أن تقبلها هدية.. مني.. أنت تستحق.. مترف وغالي ونفيس الهدايا.. وأنا.. لا أملك.. غير هذه الهدية.. المحفورة في سويداء فؤادي.. موشومة.. في تجاويف صدري.. ولو لا أنك أثير جداً عندي.. لما وهبتك كنزاً ظللت أحتفظ به.. في فخر وفرح.. وجنون وعربدة.. وهديتي لك هي: إمتى أرجع لأمدر وأعوده * أشوف نعيم دنيتي وسعوده إمتى تلمع بروق رعوده * وحظوظي تنجز لي وعوده روحي ضاعت في النار قعوده * لي هون يا رب عوده أشوف حبيبتي وأنظر خدوده * عساها ترحم تكون ودوده مسامعي تسكر من ردوده * وتطفي ناري الفاتت حدوده أشواق كتيرة الدموع شهوده * وللمنام العيون زهوده في الهجر روحي ضاع مجهوده * لم تزل حافظة لي عهوده يا المن فراقك أيامي سوده * خلاف وصالك دايماً كسوده غير محاسنك مين يسوده *الملوك ويأسر أسوده أبواب لقاك يا أم خدود موصوده * نار الغرام في الفؤاد محصوده هناي ومنيتي روحي ومقصوده * أشوف رشيم يضوي بين فصوده سعادة الجنرال.. مبروك عليك الهدية.. رجاءً.. لا تهديها إلا لمن يستحق مؤمن..