حرصت كثيراً على أن التقي بأعضاء بعثتنا الدبلوماسية في الهند، لكنني فشلت في ذلك، رغم محاولاتي المستمرة حتى يوم أمس السبت بعد أن هاتفت بعض أعضائها صباح الجمعة، وكنت وقتها خارج مدينة دلهي في زيارات لمصانع «هيروهوندا» لصناعة الدراجات النارية، ومنطلق حرصي كان يقوم على ساقين اثين الأول هو أن أقابل الجهة التي تمثل السودان رسمياً، والثاني هو أنّ أكثر الوفود الأفريقية المشاركة في تلبية دعوة السيد وزير الخارجية الهندي كانت محل اهتمام سفارات بلادها في الهند، لإطلاعها على برنامج الزيارة ومردوداتها ونتائجها ولم تنقطع البعثات الدبلوماسية الأفريقية عن التواصل مع الصحفيين الذين جاءوا يمثلون بلادهم، إذ كانوا دائماً معهم تواصلاً واتصالاً من الجانب الرسمي، لأن برنامج الزيارة مكثف ولا يعطي أعضاء الوفود فرصة ليقوموا بزيارة سفارات بلادهم إذ أن حركتهم جماعية وترتبط ببرنامج موضوع مسبقاً، وقد حزنتُ كثيراً لأنني الصحفي الوحيد الذي يمثل بلاده ولم يجد فرصته بأن يلتقي بممثليها الرسميين وقد حاولت المستحيل حتى مساء اليوم «أمس» إلا أنّ القنوط واليأس لازماني في أن لا أتشرف باللقاء الذي أعتبره من صميم عملي، قبل أن يكون من صميم عمل بعثتنا في الهند. كنتُ أتمنى أن التقي بأعضاء بعثتنا ولكن قدر الله وما شاء فعل، وأتمنى أن تسنح لنا فرصة أخرى في مقبل الأيام إن كان في العمر بقية، لكن الزيارة كانت مثمرة وأحسب أنني سأكتبُ عنها كثيراً مدعماً ما شاهدته بالصور والأرقام، وقد انتابني بلحظة ما إحساس بأنني أزور بلاداً جديدة عليّ كأنما ليس لي فيها راية أو علم، إلا أنّ ظهر الخميس الماضي كانت لي فيه راية مرفوعة ترفرف في سماء منطقة «باناس» في ولاية كجرات الهندية قريباً من عاصمتها «أحمد أباد»، حيث وجدت علم السودان مرفوعاً وعالياً ضمن أعلام عشر دول أفريقية خلال زيارة وفد الصحفيين الأفارقة لمصانع الألبان التي تنتج ما قيمته مليون دولار أمريكي يومياً، ووقفت إلى جانب السارية والعلم يرفرف فوق رأسي لالتقاط صورة تذكارية وأنا أرتدي الجلابية السودانية والعمامة، وأشعر بالفخر والاعتزاز. اليوم السبت (أمس) غادرت فجراً إلى منطقة (اقرا) على بعد مائتي كيلومتر من العاصمة دلهي لزيارة إحدى عجائب الدنيا السبع، وأعني تاج محل الذي لا تكتمل زيارة زائر إلى الهند إلا بالوقوف على أعتابه إذ أنه تحفة معمارية وإنشائية رائعة شيدها الملك «ثاجهان» قبل نحو 400 عام تقريباً يخلد من خلالها ذكرى زوجته الجميلة «ممتاز» التي اختطفها الموت وهي لم تزل في أوجِّ شبابها وحسنها وبهائها لتصبح ذكراها خالدة ليس في قلب زوجها المكلوم وحدة بل لتخلد في تاريخ الهند والإنسانية حيث سجل التاريخ أعظم امتنان زوج لزوجته الراحلة، وتبقى نغمة شجية في كتاب الإنسانية تحرك الوجدان وتوجهه نحو أعظم قصة حب لم يهزمها الموت.