العامل الثانى له إرتباط وثيق بالأول وهو سعي المسيطرون على هذه اللعبة للوصول إلى حالة من الحراك والفوضى المربكة للنظام، ولقد سعت الولاياتالمتحدة عبر عدة وسائل ومن خلال وكلائها في المحيط السوداني بالمنطقة تنفيذ حراك عسكري وإقتصادي( يوغندا ودولة الجنوب) حتى وإن لم يربك النظام، لكنه يلفت نظره إلى ضرورة إعادة تقدير موقفه السياسي الداخلي والموقف الإجتماعي الذي بدأت أصابع المخابرات الأجنبية تعبث بقيمه عبر موجات منتظمة وموجهة من الجوار، كما لها دوراً في تحريك بعض الشارع السياسي فاقد للإتجاه، وبعض التيارات الدينية غير المتوافقة مع الحكم القائم، وتأتي العوامل الإقتصادية الداخلية لتكون القشة التي قد تقصم ظهر البعير خاصة في ظل الحصارالإقتصادي، وقلة الصادر والإحتكار، وتدهورالعملة الوطنية، كل هذه مجتمعة تربك حسابات الدولة . *ثالث العوامل... تعدد وتنوع راكبو موجة الفوضى الخلاقة التي تتباين في السرعة والقوة تبعاً للموقف المراد وضع الحكومة أو الدولة حياله، فالجامعات لها أساليب وطرق توجه بها خاصة وأن الإتحادات الطلابية معظمها خارج عن سيطرة التنظيم ما يعني إمكانية إستقطابها مالم تتدارك الدولة موقفها الذي ليس من بين إجراءاته تعطيل الدراسة، بل إستثارة الحس الوطني الذي غاب عن مناهجنا التربوية، ثم هناك القطاعات المختلفة للعمال بنقاباتها المطلبية والتي تتحين المنظمات الأجنبية المتخصصة إستخبارياً الفرص للولوج عبرها وإحداث أو خلق ثوران مطلبي يخل بالإنضباط الإداري والتنفيذي بالدولة، آخذين في إعتبارنا عجز أوإخفاق الدولة رغم إجراءاتها في تخفيف أعباء المعيشة والذي يمكن أن يكون رصاصة الرحمة في جسد هدوء الشارع مالم تتدارك الدولة هذا الأمر وبسرعة ناجزة فالأمور قد دخلت في منحنيات خطيرة، وخبرة خمسة وعشرون عاماً في الحكم تجعل من السهولة أن تراجع الدولة كل ما يعكنن إستقرارها وأمنها، شريطة أن لا تتراجع عن ثوابتها التي لا ينازعها أحد فيها، كما ولا بد من دراسة السيناريوهات المتوقعة، والتحوط لها شعبياً ثم سياسياً ثم أمنياً وعسكرياً قبل وصول الأمور إلى نقطة اللاعودة. *الجبهة الثورية أو أحزاب الشتات التي تجمعت، وتحاول حركات دارفور الآن إلحاقها عنوةً بالتفاوض الجاري في أديس تكبيرا للكوم،هي في الداخل تيار للفوضى القادمة بكل فصائلها ،لقد تم تنسيق ذلك في باريس الحاضنة التي بَعْدّت المسافة بينها وبين الخرطوم منذ إيوائها لعبد الواحد ورعاية بل توجيه المؤتمرات المضادة للسودان،أما الحركات في دارفور ستبقى هي فرس الرهان في المرحلة المقبلة إن تغلبت الوطنية على العمالة والإرتزاق سلِِّمت دارفور وسَلِّم الوطن وإلا فعليهما معاً السلام وبصفة خاصة دارفور التي لن تتذوق طعم الإستقرار مستقبلاً إذ ستندلع فيها حرب الموارد العالمية، وبعدها فلا محمل يُذكَر، ولا قرآناً يُتلى، بل ستكون الفوضى وأي فوضى! إنه إعصار درس الأمريكان كيف يستثيرونه..! وكيف ومتى وإلى أين يوجهونه...! وهو مدمر لكل البنيات التي قامت ،والدمار الأكبرهو الإنشطارات التي يُخَطط لها في الشرق الأوسط حيث سودان الغد ليس كما هو بالأمس ولا اليوم، فدويلة النوبة في شمال السودان تتكامل مع دولة النوبة في الأراضي المصرية ودويلة دارفور الهدف التالي لفصل الجنوب الذي خطط له الأمريكان وإسرائيل ومبارك هو (أي الجنوب)سيكون مخلب القط الذي (يخربش)السودان ويجرجره للنزاعات ومن ثم للحروب، وكذلك الحال مع دويلة دارفور الغنية بالذهب والبترول واليورانيوم. *صانعو ومدبرو وبالأحرى منفِذو الفوضى الخلاقة في السودان يعلمون تماماً الواجهات أو المسببات والمصدات التي حجبت أو أعاقت هبباي الربيع العربي في السودان بمستوى ما جرى في بعض البلدان العربية، ويدركون مقدرة هذه الواجهات على إحباط مؤامراتهم داخل السودان أوفي المحافل الدولية، لذا فإنهم خلال تنفيذ هذه الفوضى، سيسعون لتدمير هذه الواجهات وفعالياتها الشعبية والرسمية، وإخماد صوتها، ثم تثبيت الوضع الجديد بمفهومهم أو أياً كان ،المهم عندهم ساعتئذ إزاحة ما هو قائم and let bycomes be bycomes . *تأخذ فعاليات الفوضى الخلاقة القوى العسكرية بمختلف مسمياتها في إعتبارها ،فهي لن تستهدفها إبتداءًا في ثورانها الأول أو اللاحق وفي بالها ماتم في مصر أو ما يجري الآن في سوريا وليبيا ثم اليمن وأخيرًا العبرة التونسية.. وهنا نقطه المفارقة الجوهرية..! التي قدمت فيها تونس الدروس المجانية للشعوب العربية وتحديداً الإسلاميين.الكل مدرك أن المؤسسات العسكرية بخلفياتها القومية ليست ميالة للعنف أو إستخدام السلاح ضد الجماهير أو إرادتها ، لذا فإن تنفيذ مخطط الفوضى سيعول على اسلوب الرقابة القبلية والبعدية (رغم أنها ليست صحفاً تُقرأ).. ثم إستمالة هذه القوات بالوسائل المعلومة، أوتكون على الحياد محافظة على هويتها القومية (أكتوبر-أبريل). *التخطيط الأمريكي للفوضى الخلاقة بالسودان لا ولن يتوقف فهو يتوازى مع أسلوب التقارب الذي يحدث أحياناً في الشأن الدبلوماسي والإقتصادي المحدود المساحة والصلاحيات، عملاً بتوجيهات الصهيونية العالمية التي تسيطر على لعبة الأمم، وتضع لها القواعد.. والسودان الآن يخضع للضغط والجذب والإقناع الفكري الذي يمارس على كل الأصعدة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والدينية وبصفة خاصة الإعلامية والثقافية، ثم عوامل أخرى مساعدة لتهيئة الداخل لما هو آتٍ والخارج لما هو مطلوب.. لقد إتَبَعَت أمريكا في البلدان التي استهدفتها بفوضتها الخلاقة إستراتيجية الطَّرْق على الجدران من أسفلها (البنيات الأساسية )لخلخلة هذه الدول.. ولقد نجحت إلى حد كبير في تقسيم تلك الدول، وإعادت تقسيمها كما ذكرت سابقاً على أساس الطوائف والأجناس والأصول القومية والمذاهب مع تزامن عجيب في إستمرارعملية الإنتاج والبيع والشراء والإستهلاك وسلب الموارد(العراق-ليبيا) ويتساءل الإنسان هل أفلحت أمريكا في الطرق على أسفل الجدران السودانية ؟ َتَكَهُناً وإستنادًا على بعض الوقائع فإن الإجابة تحتمل وجهين فبحسابات خلخلة البنيات الإقتصادية والسياسية والدبلوماسية فالإجابة نعم فبرغم المجهودات الكبيرة التي تبذلها الدولة للمراوغة أو الإنفلات، لازالت الهيمنة الأمريكية تٌقعِد بالإقتصاد السوداني إلا فيما يرتبط بمصالحها المباشرة ومن وراء جٌدٌر، حتى لا ينتعش..! وكذلك الحال السياسي والدبلوماسي وهذين الأخيرين تتجاذبهما إرتباطات بعض القوى السياسية في الداخل بأجندات خارجية، ويقترن بهذه العوامل الضغوط المعيشية ومتطلباتها (العامل الأجتماعي).. وهو الوتر الحساس الذي تعرف عليه الإستراتيجية الأمريكية الآن فهو أقرب المسالك ! من ناحية أخرى لم تستطع الولاياتالمتحدة الخلخلة الكلية للبنيات الأساسية في الفكر والمعتقدإلا في حدود معينة، وتزول بزوال المؤثر فالمناخ الفكري السوداني يجعل البيئة السودانية مهما إختلفت مشاربها أو تنوعت ،كبيئة آمنة لإجراءات مابعد الفوضى الخلاقة حيث الإحتواء السريع للمواقف التي تعيد الإنضباط المجتمعي ،إنها العقيدة الراسخة التي يصعب معها فرض عمليات التغيير. لذا نجد الولاياتالمتحدة قد لجأت إلى عمليات الترميم الإجتماعي في البلدان التي شهدت أحداث الربيع العربي أو الفوضى الخلاقة. ختاماً... لقد صُمِمَتْ نظرية الفوضى الخلاقة لتحقيق أهداف الغرب والصهيونية العالمية، وأول أهدافها تدمير الفكرالإسلامي، وتفكيك الدول وتدمير الثقافات والمجتمعات الإسلامية.. وضربة البداية كانت الصومال الذي لايزال تحت ضغط الفوضى، ويعاقب على قوة صبره على الإبتلاء في دينه وفكره ولا بواكي عليه عربياً أو إسلامياً في زمن إنحنت فيه دول إسلامية لرياح الفوضى حتى قبل قيامها أو هبوبها عليهم ،ثم العراقوسوريا الذين إكتملت فيهما كل عناصر الفوضى، وفي الطريق رغم التحالفات الظاهرة والباطنة بقية دول المنطقة كتركيا وإيران. لقد أثبتت نتائج فعاليات الفوضى الخلاقة في بعض البلدان التي إستهدفتها، إنها ليست أسلوباً سياسياً ناجحاً وناجعاً فقد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن كما حدث في تونس ومصر حيث الصعود، ولو مؤقتاً للتيار الإسلامي للواجهة السياسية بعد الإجتماعية خاصة في مصر، ولكن بقيت البنيات الأخرى في المجتمعات ثابتة كما هي لم تستطع سياسة الطرق أسفل الجدار أن تفتت تماسك الدولة.. إن السودان هو محور شعاع الدين الإسلامي، وإطلالته على إفريقيا، وهو شعاع يتقاطع مع دوائر إشعاع أخرى، في غرب وشرق وجنوب إفريقيا ،وضربه أو إلهائه بفعاليات الفوضى الخلاقة، لينجم عنه فجوة في حقل الإشعاع الدعوي تجاه إفريقيا ،ولا يساورنا جميعاً الشك في إدراك أبناء السودان في الداخل والخارج.. في السلطة أو في المعارضة ،مخاطر أن تنزلق البلاد مسحوبة عنوة أو طواعية للفوضى الخلاقة، ولا نشك أيضاً أن الوعي الفردي والديني والإجتماعي السوداني كفيل بوقاية البلاد من شر هذا التسونامي الذي لا يبقى ولا يذر. وعزيز أنت ياوطني برغم قساوة المحنِ, {فريق ركن