قامت إحدى المحليات بولاية الخرطوم بتوزيع دعم عيني على طلاب خلاوي تحفيظ القرآن يتناسب واحتياجات الفئة المستهدفة حسب تقدير القائمون على المشروع، ولا نريد أن نخوض في طبيعة ذلك الدعم أكثر من ذلك، ليس خوفاً من اتهامنا باستهداف الخلاوي ولكن لأن الموضوع يمثل ظلال فكرة في تقديرنا أن مناقشتها أهم للقارئ من الوقوف عند الطابع الدعائي للعملية، ورغم أننا كل ما نستطيع قوله من هذه الزواية، هو أن المناخ السياسي لا يساعد في الحكم إيجاباً على أهداف تلك المحلية من قيامها بتنفيذ المشروع في هذا الوقت بالذات، ومن هنا نستطيع أن نتفهم دوافع الأقلام الصحفية التي خاضت في القضية، والتي- إذا لم نختلف معها- لكننا نعتقد أن زوايا النظر للقضية وأي قضية أخرى تظل متعددة، وكل كاتب وإنسان يختار زواية «الشوف» التي تروق له. ومن ذلك فإن دعم الخلاوي واجب على الدولة لأنها تقوم بأدوار اجتماعية مهمة في ظل غياب دور الدولة في المجال الاجتماعي، فهي إلى جانب توفير فرصة تعليم القرآن وعلوم اللغة المصاحبة ومساهمتها في العملية التعليمية بشكل أو بآخر، فإنها أيضاً ترعى أصحاب الاحتياجات الخاصة. ومن هذا المنطلق يجيء اهتمام المجتمع بالخلاوي ومؤسسة المسيد بصورة عامة وهو دور، من واجب الدولة القيام به انطلاقاً من مسؤوليتها الاجتماعية المنصوص عليها في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي يتضمنه دستور السودان الانتقالي المعمول به إلى حين تعديله، وبالتالي لا يعترض أحد على دعم الدولة للخلاوى والمسيد حتى وإن كان علمانياً، وإن كان من حقه أن يشكك في نوايا الدولة في القيام بهذا الدعم استناداً إلى المناخ السياسي. لكن مهما يكن فإن هذه بعض حقوق الناس العاديين رُدت إليهم، وهو رد لا يمنع أو يقدح في مشروعية المطالبة بكافة الحقوق الأخرى. لكن، وحتى ينسجم سلوك المحلية باعتبارها مستوى من مستويات الحكم مع الالتزام الاجتماعي والثقافي للحكومة، عليها أن تفي بباقي الحقوق، ويكون مستغرباً دعم الخلاوي في إطار تحويل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعلى رأسها حق الإنسان في التعليم النبيل والمجاني، إلى خدمات تباع في السوق كبديل لخدمات مدعومة لكنها ردئية ولا تتناسب مع إنسانية الإنسان التي كرمها القرآن الكريم وأقرتها المواثيق الدولية من بعد ذلك، وهذا تناقض في مسلك الحكم بجعل العملية أقرب إلى الدعاية منها إلى الإيفاء بحق دستوري والتزام بتوجيه رباني، وفي ظني أن هذا ما عمدت إلى توضيحه بعض الأقلام التي تناولت الحكاية وجنح بعضها إلى السخرية اللاذعة، ليس من الخلاوي، ولكن من سلوك الدولة ممثلة في المحلية.. والله أعلم