سعدت أيّما سعادة والعزيز عبدالعظيم صالح يتسنم مهامه كرئيس تحرير للزميلة (آخرلحظة)، استحق الرجل المنصب عن جدارة واستحقاق، وهو يشارك في بناء الصحيفة (طوبة - طوبة) و(مدماك - مدماك)، دخلها مديراً للتحرير وتدرج فيها حتى نال ما توافق عليه مجلس الإدارة من مقام مستحق. عبدالعظيم وآخرون مثله وأنا منهم نسمي أنفسنا ب(الطُلب) بضم الطاء في الصحافة السودانية، لأننا عايشنا مراحل المهنة من (قدح المونة) و(بل الطوب) و(إعداد الملاطم) و(تجهيز المدماك)، وترقينا عبر هذه المراحل من (الصفر) حتى أصبحنا (معلمين) نمسك ب(المسطرين) ونوجه الطُلب (بضم الطاء)، وهذه رحلة كفاح طويلة يجب أن لا يستكثر الناشرون بعدها وظيفة رئيس التحرير على أحد. من منا لم يحمل (قدح المونة) في الإجازات ويقف في صف الماهية يوم الخميس وينطلق بعدها مزهواً بالمصروف إلى المنزل بعد أن يكون قد طاف على محال (الباسطة والحليب) وارتاد السينما و(بسط) نفسه وأهل بيته، مهنة لها أصول وترتيب يتدرج فيها الشخص بطبيعة البناء حتى يصل فيها مرحلة (المعلم)، (ما في زول بيمسك مسطرين ساي) إذاً لانهد البناء فالتحية لكل (معلمي السودان وطلبه). بالأمس التقيت عبدالعظيم وقلت له (مبروك يا طلبة)، فضحك الرجل الرهيف الشفيف حتى بانت نواجزه.. عبدالعظيم صاحب القلب الحليب.. صحفي من طينة مبدعة وإنسان من نسيج ودود. تميزه طيبة بائنة وتسكنه مودة تجعل منه فاكهة المجالس وأيقونة الأنس اللذيذ. كل هذا لا يسلبه مهنيته التي عرف بها وهو يتدرج في (الكار) درجة درجة حتى نال ما يستحقه من تكريم. بصراحة تأذت الصحافة كثيراً من الذين يهبطون عليها ب(البراشوت) يجهلون طبيعتها وأصولها ويتخذونها سلماً لمجد فاتهم في مهن أخرى، عبد العظيم وأمثاله يجب أن لا تظلمهم المؤسسات الصحفية، لأن نجاة هذه المهنة في تقديم شباب تدرّج فيها وخبر دروبها، خدم (الديسك) و(جلب الخبر) وعرك التغطيات وعركته وعاصر المشاوير المضنية في سبيل البحث عن السبق والمعلومة وحيازة الجديد، ساهر وحاور، انتزع الإفادة وأفنى يومه في خدمة الحوار والتحقيق والخبر، استبد به الأرق وغسله العرق في سبيل خدمة القارئ الكريم وتقديم ما يرقى للنشر كل صباح. الصحافة مهنة لا يتعلمها كبار السن من المُتأففين على مقامات الصحفيين الشريفة، ولن ينجح فيها من ارتادها على أعتاب اليأس المهني أو بعد التسنين.. هي تربية وتعلم ودربة لا تهبط على أصحاب الباقات والكرفتات وحَمَلَة الحقائب (السومسنايد) من السماسرة والمقاولين الجدد.. الصحافة مهنة شرف وضمير واعتداد بالذات وبخدمة الناس دون انتظار مُقابل.. ليس هنالك أجر يوازي كدح الصحفيين والساعات الطويلة التي ينفقونها عن الأسرة ويكافئ ضياء أعينهم الذي يتسرّب رويداً رويداً ويضعهم ضمن قوائم مستخدمي النظارات الطبية السميكة. عبدالعظيم استعرض معي رحلتنا منذ أن كنا (طُلباً)، و(المعلمين) الذين خدمنا تحت إمرتهم، قال لي إن هنالك (معلمين) مثل أستاذنا أحمد البلال يؤهلونك تماماً لأية مهمة، ولكنهم لا يدعونك (ترطب في الضل)، يلاحقونك بالتوجيهات والأوامر حتى لا تستريح، تذكرت لحظتها معلمين طاردونا في هجير المهنة ب(إعداد الملاطم) وحمل (القدح) دون أن يمنحوك فرصة للراحة.. تذكرت الأستاذ إدريس حسن الذي عملت معه لمدة ثمانية أعوام رئيساً لقسم الأخبار وقبله الأستاذ عبدالله عبيد وفي الصحافة (المعلم المودرن) عادل الباز وقد عملت معه مديراً للتحرير في الغراء الصحافة (وصاحب المسطرين) الناعم الأستاذ كمال بخيت وقد عاصرته مديراً للتحرير ونائباً لرئيس التحرير بعزيزتي (الرأي العام). نعم عبدالعظيم هي رحلة طويلة تدرّجنا فيها والحمد لله حتى قوي العود وكبر الاسم واستبانت الوجهة.. ألف مبروك المنصب الذي نلته عن جدارة واستحقاق مع أمنياتي لكل (الطُلب) في الصحافة السودانية بالترقي الدائم. نقلاً عن « الرأي العام » من زاوية « على كل » محمد عبد القادر ٭ من المحرر أخي محمد: كلماتك أبكتني.. حروفك تشبهك، نبيلة وأصيلة كمعدنك ومنبتك.. ولا يذكر الفضل إلا أهل الفضل.. هي شهادة وقلادة افتخر بها وأعلقها «دين» في رقبتي في هذا الزمن الذي قلّ فيه الوفاء و كثر الجحود.. أكثر الله من أمثالك.