كان الحسن الميرغني «أبو جلابية»، قمراً انتظرته الأكوان..كان عصارة المزيج الثقافي والعرقي لشعوب السودان.. ولِد في مدينة بارا، وفق رؤيا منامية لسدنة البيت المعمور، بأن سيدة شريفة من غربي السودان، سيأتي من نسلها، من ستكون له السيادة والشرف....لأجل ذلك الوعد قدِم إلى السودان السيد محمد عثمان الكبير، تلميذ السيد أحمد بن إدريس ووفد معه مريد شاذلي آخر هو الشيخ إبراهيم الرشيد..كان السِّر مسطوراً في الأزل، إذ بزع الفجر للميرغني في كردفان، فأسماه «محمد الحسن». عندما جاوز الحسن ريعان الصبا، كان دائم السؤال عن والده..... ألح السيد الحسن على والدته بالسفر لملاقاة أبيه.... فوصل ركبه إلى الخرطوم، وفيها اختلي في مسيد الشيخ إبراهيم الكباشي، صاحب القبضة القادرية، وخرج من هناك يتلألأ في الأنوار ...هكذا جمع ابو جلابية في ذاته، بين الأختين، القادرية والشاذلية.. وصل السيد الحسن إلى أرض الحجاز ليحيا في كنف أبيه.. تقول إحدى الروايات، أنه شهد مع أبيه عرساً لأحد أمراء الطائف .. أنظر تلك الرواية في موضعها، فمنها جاء اسم المراغنة، فاعلم أن هذا الدين دين أفراد، وأعلم أنه دين الحرية، و «من شاء فليؤمن،ومن شاء فليكفر».... ٭ رحل السيد الميرغني إلى مكة ليعيش فيها مع ابنه الحسن بجوار الكعبة المشرفة، وكان منزلهم أول التكايا هناك.. بعد حين من الزمان عاد السيد الحسن إلى السودان وعرّشَ في كسلا، تحت سفح ذلك الجبل ذي الأصابع، حيث بدأ الدعوة إلى الله بتسليك طريق القوم. ٭ أما لقب الختمية فهو إشارة إلى مقام في حضرة القرب، لولي آخر الزمان... ولكل زمان رجال، وإن شئت الدقّة فقل، إن لكل زمان رجل لا يضاهيه آخر....ولكن كيف سكن الختمية في الخرطوم بحري..؟ سكن الختمية في الخرطوم بعد أن أصبحوا حفدة للشيخ خوجلي أبو الجّاز ...... فقد ولد الخليفة بابكر ود المتعارض في المنطقة التي تسمي حاليا بحلة حمد، في حوالي سنة 1810م تقريبًا، وتلقى علومه بين خلوة جده ود أم مريوم، وجده لأمه الشيخ خوجلي.. هاجر ود المتعارض إلى مصر والتحق هناك بالأزهر الشريف وتحصل فيه على «الإجازات» في أصول الدين والشريعة والفقه واللغة، ثم هاجر إلي اسطنبول، وعاد مفتياً للديار السودانية، وخليفة لجده الشيخ حمد ود أم مريوم. ٭ وبينما كان ود المتعارض منشغلاً بإدارة شؤون الخلافة والفتوى، أتي السيد محمد الحسن الميرغني، ليزور الشيخ خوجلي والشيخ حمد، فتوجه إليه ود المتعارض و قبّل يديه ورحب به، باعتباره عُمدة أهله المريوماب والخوجلاب.. وهنا تروي روايات عديدة، منها أن الخليفة بابكر ود المتعارض كانت له خلوات طويلة مع السيد الحسن، فجذبته يد العناية الإلهية إلى «الحضرة»، وتعاهدا علي المحبة والصُحبة في الله تعالى.... وقد دوّن ود المتعارض في مذكراته، أنه تعلم من شيخه السيد الحسن الميرغني «علوما لم يتعلمها طيلة حياته»، في إشارة إلي علم الحقيقة، علم الباطن.. وهكذا هي دروب الصعود، مثل مسالك الهبوط، بين الصخور الوعِرة.. ولقد صعد ود المتعارض إلى المجد بتواضعه، فاختار أن يكون تلميذاً بعد أن كان مفتياً، و كان أول من لقّب أبو جلّابية ب «الأستاذ»، وقال فيه أصفى ما قال عاكف في محراب الحب: «أنت باب المِنن يا أستاذ الزمن، يا قويمَ السَّننْ يا مزيل المحن / أنت يا أحمدُ أنتَ يا مُفرَدُ، عينُ ما يُشهَدُ، غَيبُ ما قدْ بَطَنْ/ أنت نورُ الأحدْ، أنت أصلُ المَددْ، أنت نِعمَ السَّند، يا محمد حسن/ أنت بَحرُ النَّدى، أنتَ شمسُ الهُدى، فى المجالي بَدا في التعالي سَكَنْ / أنت ذَا ذاتُه، أنت نظْراتُه، أنت حضْراتُه ،أنتَ مَنْ يَعلمَنْ/ يا سِراجَ الظُّلَمْ، يا عَميمَ الكَرَمْ، أنتَ نُون والقَلمْ، أنتَ مَا يَسْطُرَنْ»..