ظلت الإداة الأهلية السودانية منذ قيام الدولة السودانية تلعب دوراً «مهما وملموسا ومحوريا» في حياة أهل السودان.. كما ظلت تتمتع بقبول ورضا المجتمع نسبة لقربها منه ولإلمامها التام بالأعراف والتقاليد السائدة.. ولكن للأسف الشديد ظل بعض المثقفين من أبناء الوطن يعتقدون أن الإدارة الأهلية مرتبطة «عندهم» بمفاهيم القبلية والجهوية والعنصرية.. إلا أن الإدارة الأهلية خلاف ذلك.. بل هي نظام لحكم مجموعة متجانسة ومتعايشة من السكان الذين يقطنون في رقعة جغرافية محددة، ويمكن أن يكون أولئك السكان من عدة قبائل وليست قبيلة واحدة.. وللإداة الاهلية هياكل وتسلسل هرمي خاص بها، من ناظر وعمدة وشيخ عرب، وتختلف المسميات من جهة لأخرى ولها سلطات وصلاحيات تنفيذية وقضائية مستمدة قوتها من العرف ورضا المجتمع عنها واعترافه بها ولقربها منه بحكم انتماء عناصرها للمجتمع من حيث السكن والإقامة و إلمامهم التام بتاريخ المجتمعات والعرف السائد والجغرافيا المحلية.. كما نجد أن عناصر الإدارة الأهلية يمارسون النشاطات ويمتهنون المهن الخاصة بالمجتمعات من رعي وزراعة وخلافها مما جعلهم يلمون بكل صغيرة وكبيرة عن حياة تلك المجتمعات مما أكسبهم المقدرة على حل المشاكل والنزاعات بمختلف أنواعها وإحجامها.. لذلك كله ظلت الإدارة الأهلية تتحلى بالحكمة والمقدرة على حل المشاكل على مستوى المجتمع المحلي، وحتى على مستوى الوطن.. وقدمت للوطن عداً من الحكماء مثل الناظر بابو نمر والناظر يوسف العجب والناظر منعم منصور والناظر محمد صديق طلحة والمك الزبير حمد الملك، وخلافهم من النظار والشيوخ الأجلاء، الذين أسهموا بقدر كبير جداً في حل عدد من النزاعات والمشاكل على مستوى الوطن عبر مؤتمرات صلح مشهودة وشهيرة.. كما ظلت خزائن الإدارة الأهلية ملئية بالوثائق والمكاتبات النادرة والمهمة والتي يمكن الاستفادة منها في حفظ حقوق الوطن وحل النزاعات، وحتى النزاعات الإدارية التي تنشأ بين الفينة والآخرى، لأن الحدود الإدارية قامت على خرط، كانت الإدارة الأهلية مشاركة في ترسيمها.. كما يمكن أن تلعب الإدارة الأهلية دوراً كبيراً في المشاركة في التنمية والاستقرار، مثلما كان لها الفضل والقدح المعلى في السلام والتعايش السلمي الذي شهده الوطن، وذلك باحتوائها للنزاعات المحلية التي تحدث في مهدها وخصوصاً النزاعات التي تحدث حول الأراضي أو الموارد من مرعى ومصادر مياه أو زراعة.. كما يمكن الاستفادة من جهد الإدارة الأهلية في عدة أمور مثل جمع السلاح وترسيخ ونشر ثقافة السلام وحل النزاعات، وذلك بتمكين الإدارة الأهلية ومنحها صلاحيات واضحة أو إشراكها في الأجهزة التشريعية والعدلية أو تفعيل أمر رعايتها، وذلك بتأهيل أفرادها إدارياً ومعرفياً، وذلك بتكوين أو تفعيل الأجسام المنظمة لها لرعاية شؤونها على المستوى الاتحادي والولائي والمحلي.. كما يجب على الجهات البحثية و العلمية والمراكز الوقوف على تجربة الإدارة الأهلية بالدراسة والبحث والتحليل وإقامة الورش للاستفادة من الإيجابيات وإبراز الدور المرتجى الذي يمكن أن تلعبه في تنمية واستقرار الوطن، وإبعادها عن مفاهيم العنصرية والقبلية، وإعادة صياغتها على أسس علمية ومنهجية حديثة تواكب التطور التكنلوجي والتقني والمعرفي الذي شهدته الحياة والمجتمع، وتقديم نتائج البحوث والدراسات للجهات المختصة مثل وزارة الحكم الاتحادي للاستفادة منها في قضايا الحكم والإدارة، باعتبار أن الإدارة الأهلية واحدة من الأنماط الإدارية المجربة على مستوى الوطن وحققت رضا المجتمع بدرجة عالية. ٭ خالد الشريف محمد طلحة