في مقاربة صريحة، يقول السيد محمد محيي الدين الجميعابي، إن اتفاقية نيفاشا كانت خطأ قاتلاً، وإنها «أكبر اتفاقيات الخيانة الوطنية، وإنها مشروع استخباراتي، ومؤامرة، لا بل خازوق..! وإن علي عثمان أذى السودان، بتلك الاتفاقية التي فصلت الجنوب وأفقدتنا البترول ولم توقف الحرب ولم تُرسَّم الحدود، ولم تفصل الجيوش»..! إنها أخطاء قاتلة، يرى الجميعابي، ضرورة أن يُحاسب فاعلها.. ولكن هل يُعقل أن تحاسب الإنقاذ «بطل السلام»..؟ يقول الجميعابي في جُرأة غير مسبوقة: «ما عندنا زول كبير»..! هكذا قال على الهواء، للأستاذ عبد الباقي الظافر، في حواريته مع د.محمد يوسف أحمد المصطفى على شاشة تلفزيون أم درمان.. ولكنّه «كلام والسّلام» يقوله الجميعابي من باب القدح في مقام الرجل الإنقاذي الثاني.. ويبقى الكلام كلاماً حيث كان، لن يُغادر موضعه من شاشة البلور، لأن ساعة المحاسبة التي يطلبها سيادته لم تأتِ بعد.. بل إن المطالبة نفسها ذات غرض، وربما أغرت الرجل المُشار إليه، ليأخذ بزمام المبادرة الآن..! فنظامه الرّاهن، قد يوفر له فرصة ذهبية للمثول، والمحاكم كما هو معلوم لديه وهو قانوني لا تنظر في الدعوى مرتين..! إذن، هي حالة عطف من السيد الجميعابي، يحيط بها أخاه، طالباً خلاصه، من محنة يوم يوم آتٍ..! وعلى أيه حال، فقد خطف الجميعابي الأضواء في ذلك اللقاء، عندما تحدث بلسان صدق لم نعهده أصلاً في الأُخوان.. وعجبتُ، كيف لا يستثمر تنظيم الأخوان في أمثال هؤلاء، إن كان لديه بعض منهم..! كانت العلاقة بين دولتي السودان، هي موضوع الحوار.. في هذا الإطار قال ود يوسف، إن الحركة الانفصالية كانت موجودة بالجنوب، وإن الحركة الشعبية كانت تحارب الانفصاليين الجنوبيين بضراوة، لكن «الجماعة ديل»، كانوا يغذّونهم من الخرطوم، حتى وقع الانفصال كنتيجة لتبني المشروع الحضاري، الأحادي الصمدي الشمولي، الذي لا يعترف بالآخر.. ولمّا كان للجميعابي بعض أمل في إمكانية تطبيق ذلك المشروع، فقد رفض القول بأن الشريعة كانت سبباً في الانفصال، ورمى باللائمة على اتفاقية نيفاشا، مضيفاً إليها ملابسات «الخيانة» التي تعرّض لها رائد المشروع الترابي من بعض تلاميذه..! لكن ود يوسف، حسم هذا الجند مشدداً على أن «الجماعة ديل» حاولوا تطبيق مشروعهم الذي يتناقض مع حقائق الواقع السوداني، وعندما فشلوا، «فَتَروا، وخلّوهوا»..! ومن غير المفيد، البكاء على اللبن المسكوب يقول ود يوسف لأن الجنوب انفصل، لا بسبب الاتفاقية، بل بسبب عدم تطبيق بنودها..! وبوضوح غير معهود لدى الإخوان، تحدّث الجميعابي قائلاً إن الانفصال لم يكن سوى خطة استعمارية نفذوها «ناسنا ديل» فخلقوا أزمة للبلد كلها، بناءً على حساباتهم الخاطئة..! هذه طبعاً، أول مقاربة أخوانية صريحة في الموضوع، وللحقيقة فإن المرء يستكثر عليهم مثل هذه الصراحة، لأنها ليست ممّا تعوّدنا عليه من حضراتهم.. لقد كان الجميعابي طليقاً مثل كل حادب على المصلحة العامة، وهو يشير إلى بعض رجال حول الرئيس يفجرون الأزمات في البلد لأنهم «غير مواكبين»، بينما يقرأ ود يوسف ملابسات هذه الحالة الإنقاذية، ويقول بأن هناك قوى متباينة داخل النظام، تعبر عن نفسها بهذه الطرائق المتناقضة، لكونها لا تسمح بأن تُداس مصالحها..! وفي رده على سؤال الجميعابي المباشر: لماذا لم تُرسِّم الحدود قبل الانفصال؟.. يقول ود يوسف إنه غير مهموم بالحدود، لأنه يؤمن بإزالة هذا الوهم الحدود ويؤمن بأن السودان القديم لا ينتج إلا الحروب، وأن فكرة العدالة الاجتماعية لن تعدم من يناصرها.. أكثر من ذلك يقول ود يوسف إن المعارضة «عاقلة» وأكثر إشفاقاً على هذا البلد، لأنها تراقب بصبر أفاعيل المتمكنين..!