السودان لم يشهد معارضة حزبية طيلة عهود الحكم التي جاءت عن طريق القوة العسكرية، لازاحتها عن سدة الحكم إلا في عهد حكم الإنقاذ، خاصة بعد أن مضى أكثر من عقدين من الزمان، تقرر بعدها إجراء انتخابات عامة تتنافس فيها أحزاب القوى السياسية التقليدية منها وأحزاب أخرى حديثة العهد بالسياسة.. نشطت المعارضة هذه المرة بعد أن ظلت في بيات شتوي ونوم مضطرب وبعين واحدة.. وبدلاً أن تستعد مبكراً وتعيد النظر في حساباتها التي تأتي نتائجها دائماً عكس ما تتوقع رموزها الذين يفكرون بطريقة (قال كبيرنا) و (أمر كبيرنا) .. بل اعتقدوا أن كلمة السر للطاعة العمياء (آمين ياكبيرنا).. حتى وقفوا في حركة محلك سر، وغمرهم طوفان التغيير والتكنولوجيا والوعي والإدراك، وعندما أفاقوا من غفوتهم وجدوا الحال غير الحال.. فكانت هناك الحركة الشعبية، ففكروا أن يتغلغلوا فيها عبر عناصر بعينها توافقهم التفكير والرؤى في النظرة العدائية ضد حكومة الشمال.. وأرادت المعارضة أن تستخدم ذكاءها السياسي الخبيث، لاتخاذ الحركة (حصان طروادة) تحقق بها حلمها المنشود للوصول إلى سدة الحكم، بتحريض الحركة شريك الحكم لاستعمال أسلوب الكيد السياسي والمزايدات مع المؤتمر الوطني، لتفشيل اتفاق نيفاشا، بل بدأت تغذية الحركة بمفاهيم خاطئه بأن المؤتمر الوطني لم ينفذ استحقاقات نيفاشا للجنوب وخلال السنوات الماضية، شاهدنا جميعاً حزمة من الاصطدامات بين شريكي الحكم، حتى كادت أن تصل إلى حد المفاصلة وحرق كروت إتفاق نيفاشا، الذي نزل على الجنوبيين برداً وسلاماً وثروة وسلطة. ولكن بالرغم من أن الحركة لها قرنا استشعار وتدرك جيداً مقاصد المعارضة الشمالية.. إلا أنها طبقت الحركة على المعارضة.. قصة على بابا والأربعين (أسفيناً)، ولم تسلم المعارضة من أسافين الحركة، أظهرت أنها لا تفرط قيد أنملة في مصالحها الجنوبية، ولكنها أيضاً كتكتيك سياسي لا مانع من (تكبير الكوم) مع الاتجاه جنوباً بعيداً عن التحالفات الهشة مع معارضة الشمال، التي لن يستفيد منها الجنوب من منظور البعد المكاني والغرضي والعرقي. اليوم تبدأ الحملة الانتخابية لكل المرشحين للاستعداد لخوض الانتخابات في ابريل القادم، وبمقياس الزمن وحالة التنافس الشرس، الفترة قصيرة وتحتاج إلى بذل الكثير من الجهود، واستعمال أساليب تنبع من دراسة واقعية للقواعد الجماهيرية وقدرات المتنافسين على كل المستويات.. أما فيما يختص بقضية الانسحابات، فهي تطغى على العملية الانتخابية بمفهوم سلبي.. حيث يشتم في بعض الحالات أن هناك مساومات حدثت وراء الكواليس، وسؤالنا المطروح لماذا الترشيح ولماذا الانسحاب؟ ألم يدخل هذا النوع من الممارسة في دائرة خرق لمفهوم الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة أم ماذا ؟ من ناحية أخرى.. اتجهت الأحزاب المعارضة إلى ضرورة اسقاط البشير (لعبة التشتيت) وتفتقت عبقريتها عن نظرية سياسية لم تحدث قط في مسيرتنا الانتخابية، وبتحليل سياسي دقيق تعني الكثرة والغلبة ضد الثقة والقوة.. أيهما الأصلح لحكم البلاد.. الكثرة والغلبة فاقدة الأهلية والقدرة للحكم.. أم الثقة والقوة.. مزودة بالخبرة وقوة القرار وتاريخ مليء بالانجازات؟. عموماً ما نشهده الآن على المسرح السياسي من خلال تقلبات المواقف لأحزاب المعارضة، نجد أن الموقف النهائي لمصلحة الانتخابات بأي حال من الأحوال لن يسفر عن نتائج ملموسة لهم، خاصة وأن هناك اختلافاً وتباينا في الرؤى في أي من مرشحي أحزاب المعارضة على المستوى الرئاسي، لينافس مرشح حزب المؤتمر الوطني للرئاسة.. وحسب مفهوم المعارضة للتحالف والتقدم بمرشح واحد لكل حزب من الأحزاب المتنافسة لكراسي الرئاسة، لتشتيت الأصول وحرمان مرشح المؤتمر الوطني من الحصول على أكثر من 50%.. لكن في الجانب الآخر نجد أن حزب المؤتمر الوطني قدم مرشحيه لكل المستويات الانتخابية تحت مسمى مرشح الحزب، واستعد للمعركة الانتخابية مبكراً ووضع لها حساباتها، والآن يقف بعيداً يرصد مجريات الأحداث والمتناقضات التي تشهدها صالونات الأحزاب المعارضة، ويسجل بكل دقة حركتهم وتحركاتهم للاستفادة منها في اللحظة القاتلة عند قدوم الناخبين لصناديق الاقتراع.. لذا نقول إن أحزاب المعارضة تخسر كثيراً عندما تعتقد أن المؤتمر الوطني غافل عما يجري في أوساطها، وأن معادلة 50+1 وحسب التحليل السياسي الآن نقول إن البشير سيحصل على أكثر من 70+29 للحركة +1 لأحزاب المعارضة الشمالية وهذه هي الخسارة بعينها.