{ نكاد جميعاً نتفق على الإعجاب بفكرة الأماسي الفنية التي تبنتها وزارة الثقافة، فهي قطعاً حراك فاعل له أبعاده الإيجابية الكبيرة. ولكن السؤال الذي يلح في فرض نفسه عليّ: «ما هي المعايير التي تتبعها اللجنة المعنية في اختيار الشعراء المُراد تكريمهم ضمن هذه الأماسي»؟ولن أُطلق السؤال على عواهنه ليشمل الفنانين على اعتبار أن وقوفهم على مسارح الأماسي في حد ذاته تأكيد على تواصل عطائهم وتمام عافيتهم، أقعدهم المرض أو جارت عليهم الأيام فأصبحوا نسياً منسياً رغم أن كلماتهم مازالت ترن مشنّفة الآذان، أو ليس هم أولى بالتكريم؟! وهل هناك مبررات أفضل من تقدُّم العمر أو جور الزمان أو تكالب الأسقام لتكون سبباً في منح هذا الشاعر المبدع الفرصة للتكريم بكل ما يحمله من دعم مادي ومعنوي؟! { وإذا كانت فعلاً هذه هي المعايير الموضوعة في الإعتبار فلماذا اختفت من قائمة الأماسي أسماء مثل العباقرة «أبو قطاطي بازرعة محجوب سراج السر دوليب، وغيرهم» على سبيل المثال لا الحصر؟! { وبالمقابل إذا كان الاختيار يتم وفقاً لمعدل مساهمات الشاعر وعدد النصوص المُغناه التي يمتلكها فلماذا يغيب عن ذات القائمة اسم الرجل الأخضر «مصطفى ود المأمور» بكل ما يُعرف عنه من إسهامات فاعلة، وتواجد مستمر على الساحة، وبكل أياديه البيضاء التي تمتد دائماً للشباب الواعد بعيداً عن حسابات المادة والربح والخسارة، ويشهد له بذلك أكثر من ثلاثين عملاً بمكتبة الأغنية السودانية، والعديد من الفنانين المبشرين أمثال «إنصاف فتحي أريج الربيع منار فضل أيوب رندة مصباح أفراح عصام...الخ»، ممن يضيق بهم الحيز وكلهم يؤكدون على حجم الدعم الإيجابي الذي وجدوه من «ود المأمور» على كافة الأصعدة بحيث لم يكن مجرد شاعر غنائي، ولكنه كان أباً وموجّهاً وراعياً للعديد منهم وأنا أشهد على ذلك؟. { فلماذا لا يكون الاختيار لهذه الأماسي الثقافية أكثر موضوعية؟! مع كامل تقديرنا للأسماء التي تم تكريمها وكل تاريخها العريض، غير أن الأولويات يجب أن نُراعيها في الاختيار حتى تأتي الأماسي أُكلُها وتحقّق أهدافها المنشودة. { ولا يفوتنا ونحن نعرض لهذا الحدث الفني الكبير أن نشيد بمبادرة شركة «زين» في رعاية هذه الفعاليات في لمحة ذكية أعتقد أنها تحقّق أبعاداً إعلانية وترويجية أكثر من تلك اللافتات والملصقات المنتشرة في كل اتجاه، فنحن شعب تؤثر فيه مثل هذه المبادرات الإيجابية ذات الفائدة، أكثر مما يؤثر فيه الإعلان البصري الجامد، وحقاً تستحق شركة «زين» أن نرفع لها القبعة احتراماً على أمل أن تحذو باقي الشركات الاستثمارية في كل المجالات حذوها لتعم الفائدة على الجميع تحقيقاً لمبدأ التعاون والمؤازرة. وأحسب أن وزارة الثقافة بقيادة «السموأل خلف الله» تؤكد لنا دائماً أنها تمضي نحو الأمام بخطى حثيثة بتبنيها لهذه الأفكار التي افتقدناها طويلاً، وحتى باختيارها للمساهمين والمشاركين والراعين، على أمل أن يمتد هذا الحراك الثقافي ليشمل باقي المجالات الثقافية. { وأرجو أن يوضع دائماً في اعتبار القائمين على الأمر مراعاة التنسيق اللازم والإلتزام باختيار الشاعر مع أكبر عدد من الفنانين الذين تغنوا له حفظاً لحقه الأدبي وللمزيد من إقناعنا وتعريفنا بأصحاب النصوص، فالشاهد أن معظم الأغاني الجميلة تحتاج منا لجهد كبير حتى نتعرّف على شعرائها الحقيقيين في إشارة واضحة لضياع حقوق المؤلف. كما أتمنى أن يُفسح المجال ولو قليلاً للشعراء الشباب ففيهم من يستحق أن نقف على تجربته عن كثب. { وأخيراً، أتمنى أن نُراعي الإنصاف في اختيار شعراء الأماسي فلا أحسب أنه من المنطقي أن نُكرِّم شاعر أو شاعرة ساهم بعمل أو عملين غنائيين طوال تاريخه، ونغفل أمر شاعر يملك نيف وثلاثين عملاً غنائياً ما لم تكن هناك أسباب منطقية لهذا التفضيل الذي يستحق أن تخرج علينا اللجنة المعنية بتوضيح وافٍ عن كيفية الاختيار والمعايير الموضوعة والأهداف المُراد تحقيقها، وحتى الأسماء المختارة لهذا التكريم. فربما نكون على خطأ أو لم تبلغنا الأنباء بعد. { تلويح: التحية لكل الشعراء الذين يكتبون الكلمة بتجرُّد لتبقى خالدة فحسب، دون أي أغراض.