{ قضية مرت من تحت جسر مشهدنا الثقافي، ربما لاحظها البعض ولكنهم لم يتوقفوا عندها.. { قضية في زعمنا كان يجب أن تفتح جدالاً واسعاً حولها. { كاتب ملء السمع والبصر (ينحر) مكتبته ولا يرمش له جفن!! { التجاني سعيد بكامل قواه العقليّة يبدد مكتبته التي تحتوي على عدة آلاف من الكتب والمراجع، سواء من خلال الحرق أو التوزيع أو الإهداء. { هل الفكرة التي خطرت له قبل ذلك بحرق مخطوطة ديوان صديقه الشاعر عثمان الحويج التي بطرفه ثم انصرف عن ذلك (لأن الحويج الفنان لا يستحق منّا أن نقتله مرتين، مرة بإهماله ومرة بحرق آثاره) على حد قوله، من ثم قام بتنفيذ الحرق لكتبه؟! { هل شعر صاحب (قصائد برمائية) أن هناك إهمالاً من كائنات فضائنا الثقافي له؟ { لماذا لم يودع مكتبته تلك دار الوثائق أو مكتبة السودان أو يهديها إلى مكتبة إحدى جامعاتنا فقيرة المراجع؟ { كاتب يحرق مكتبته التي كان ينتفع بها الآلاف من طلاب العلم داخل وخارج السودان.. ماذا نسمي ذلك؟ { هل تبريره عقلاني حينما ذكر للمحرر الثقافي بصحيفة (الشاهد) شاعرنا محمد نجيب محمد علي في حوار معه حول علاقته بالكتاب: (بوصفه أداة للمعرفة تراجع في حياتي لأنه أدى دوره وأصبح ماضيه في داخلي فلا أحتاج إليه ).. و(الآن تتم عملية طبع آلاف الكتب في داخلي لكن من غير تأليف). { هذا يذكرنا بثوّار الرواية الشهيرة (451 فهرنهايت) للأديب الأمريكي براد بري، حيث صارت كلمة (مثقف) سبّة في نظام شمولي يحرق الكتب في درجة (451) فهرنهايت. وحفاظاً على التراث الأدبي والعلمي كان كل واحد من الثوار يحفظ كتاباً حتى صار هو الكتاب ذاته!! { وكان من ضمن ما أحرق التجاني مجموعة قصصيّة له وقصائده التي لم تنشر وكتب لم يكتمل تأليفها، فأيّة قسوة مارسها التجاني سعيد أمام فلذات (موهبته) الكبيرة وهو يرى النيران تلتهمها؟! { هل افتقد التجاني سعيد أخيراً (الضجر) بعد أن ظل طوال حياته في مواعيد متنوعة مع الضجر؟! { والضجر في اعتقادنا أحد ملامح (البطولة) في حياتنا.. { والتجاني سعيد يضرب مثلاً بمقولة ذاك الكاتب الذي قال: (إن الحياة في حد ذاتها تحتاج إلى بطولة) فهل صارت البطولة عند التجاني أن يقوم بتبديد مكتبته (لمن حضر من الطلاب) وأخذوا ما يريدون منها!! { هذا يذكرنا أيضاً برواية ذاك الأديب من أمريكا الجنوبية حينما كان بطل روايته يلفظ أنفاسه الأخيرة كان جيرانه وأقرباؤه ينهشون (تركته). أطال الله عمر كاتبنا المبدع التجاني سعيد. { إن من ذخائر كتب التراث لدينا كتاب (الطبقات) لود ضيف الله، وقد كان من بين ما احتواه كنز مكتبة التجاني سعيد، ومع ذلك تخلص منه لأنه على حد قوله (بداخله من الطامات والخزعبلات والأساطير ما يكفي لوصم الثقافة السودانية بالانحطاط)!! { هذه قضية أخري تحتاج لوقفة موضوعية جادة، إذ كيف يحاكم التجاني سعيد كتاب «الطبقات» بفكر العقد الأول من (الألفية الثالثة) بينما تم وضع الكتاب قبل (قرنين) من الزمان تقريباً، وقد وضعه الفقيه والعالم والقاضي محمد النور بن ضيف الله مترجماً لمجموعة من الفقهاء والأولياء والصالحين والعلماء والشعراء إبان دولة الفونج. { بأي ميزان دقيق (آني) حاكمه التجاني سعيد وهو الممتلك لفكر معرفي لا نشك فيه؟! { يا للهول حينما وصف التجاني سعيد كتاب (الطبقات) بأنه من ركائز انحطاط الثقافة السودانية! { نتساءل: مشهدنا الثقافي أين هو من (حريق) مكتبة ثرة وعريقة بيد صاحبها؟ وأين مشهدنا الثقافي أيضاً من حرق التجاني سعيد لكتاب (الطبقات) حينما جعله من أسباب انحطاط الثقافة السودانية؟! { فأي (واقفات) يقرعهن مثقفونا الأشاوس وقد (جفلن) معهم؟