{ إضاءة راعشة وقفت التقط أنفاسي الشاهقة، إذ أني عدوت طويلاً.. كانت هي قد توقفت لمَّا رجَّ هاتفي مضجعي فجذبته من تحت الوسادة، سمعت خرير مياه لم تزل تحتدم تحت الجسر، تأبطتُ طفلتي عامداً أنتظرها على المائدة المثلثة. ثمة إضاءة راعشة ملونة، كارتعاش خطى وهني تسوقها نحوي، وهن وجهها المتقشر الذابل مثل عينيها المنطفئتين ورمشيها المتساقطين كأرواق حديقة مهملة كشعرها المبيض. كانت تعبق بعطر فطير! { خرس البحر مددت يداً رعشى ملطخة بحبر نافد، شطرني بنظرة شاحبة، سقطت كومة الأوراق عن يدي، وحينما تشبثت ببنطاله المهترئ المرقع بديباجات دور نشر: «الجمل»، «بنجوين»، تهدّل على رأسي مثل غطاء كوني. كانت يدي عالقة في الهواء مغلولة، عندما استوى أعلى الشجرة يسجر لفافات محشوة بأحرف خرساء! { شارع بدأ مثل خيط تميمة قذر ملئ بعقد، ثم اتسع ملتهماً حوائط وبيوتاً آمنت بالخبز، تحرش بأزقة صغيرة ومقعدة فاحتواها بجوفه، لكنه لما لم يبق متسع حيث المساكن رقت، فإن شوارع مترهلة مهجورة وكثيرة الالتواء انضافت إليه. { حيل التهما كمية من الدجاج المشوي، إذ أنه يوم الخميس.. تسكعاً في الشوارع.. ولما دخلا غرفتهما كان الليل قد جن.. أحدهما كانت يداه طويلتان (الثاني يعلم ذلك) لذا فهو قد استفاد من خروج الأول لقضاء حاجة داساً محفظته تحت لحاف ذي الحاجة! { نبوءة عالقة لم أر جدتي إلا وهي تمتطي فروة الصلاة، بالأمس تبينت (طالما أخفت ذلك عني) أن ما في الكوب كان شلال ضوء تجرعته ثم أكدت لي - تالياً - صبية مشتنجة لم يصدق أحد أنها تعدو بساقيها الطويلتين، ذلك. وخزة مسبغة عظيمة نهشت أمعائي (يومان لم أذق طعاماً).. سحقت إذ رأيت قطيع أبقار تحلب نفسها بغرفة جدتي. { مزعة حياء ثمة شجر كثيف، كنت قد وصلت نهاية الطريق المؤدية إلى مدخل الجامعة الغربي، لكني كسجيتي القلقة عدت وأنا اقف بمحاذاتهما: (كانا خارج مجال ناظري) سمعت خشخشة ناعمة وطرقعة (كنت أبدو جلياً وقحاً باسوداد عينيهما) ثم إذا بوجنتيها تومضان أشعة حمراء جداً اخترقت خيال ملفحتها وتكومت. أظنكم تعلمون من أعني جيداً - حتى بدت لي أشبه بالذرة الشامية! { تسمم كل أشياء جدي تآكلت، أو ضاقت، أو تلاشت، بما فيها - ربما - ذاكرته، وكعادته لا ينقطع دفق أسئلة تتواتر مثل حبات مسبحته الهائلة الهائلة: هذا البحر الذي تولغون فيه، يا كلاب لم يكن بشكله الخيطي هذا يسألني تعرف الطماطم أو السكر؟! وأحياناً عندما يحتدم نقاشه مع صاحب الدكان عن غلاء الزيت (وهو من عينة التجار البراغماتيين المتسلقين) يعلق بقوله: كنا نتحمم بالسمن يا نجس. ولكن ما لم أستطع تخيله، أن أردان ثوبه كما قال تسربل قرية في هذا الزمن الفاجع (لديه طريقة مرعبة في نطق هذه الكلمة). { دمامل امتلأت أسطح الزجاج وتناثرت على الطرقات دمامل صغيرة بدت مثل بثور عارضة، المارون بالطريق لم يعرها أحد اهتمامه، على مدار الثانية كانت تنمو سنتيمتراً واحداً، ثم بدأت تأخذ هيئة فطريات منتفخة ما تلبث أن تنبثق منها بطريقة مقززة زعانف تتحول إلى أقدام عملاقة بجسم الفطر، الذي ينتفخ وينتفخ بالونا كونياً هائلاً قطره أميال متكاثراً بدوره، فطراً آخر بحجمه، يغدو العالم غابة دمامل مليئة بقيح تتكاثر.