الحيرة والدهشة تملأ هذه الأيام وجوه الكثير من الأسر السودانية بعد أن جاء عيد الأضحية الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى.. فالحيرة والدهشة في أسعار الخراف.. فهل يعقل سادتي أن يصل سعر (الخروف) الكبير إلى مليون جنيه، فهو ليس بالكبير الكبير ولكنه معقول.. فالخروف الذي سعره اليوم مليون هو كان بالأمس (500) أو ازداد النصف بالنصف وذلك بالرغم من أن الدنيا بخيرها والساحات مليئة بالخراف الواردة لولاية الخرطوم من بقية الولايات الأخرى باعتبار أن ولاية الخرطوم من الولايات المستهلكة كما أن عدد سكانها تجاوز ال8 ملايين نسمة ولا يتجاوز متوسط دخلهم السنوي (1300) جنيه في العام، كما اكدت ذلك ولاية الخرطوم في المؤتمر التنشيطي للقطاع الاقتصادي الذي عقد مؤخراً ببرج الاتصالات بالخرطوم. ولا اظن أن أحداً من الدول المجاورة (سيصدقنا) عندما نتحدث عن ارتفاع أسعار الخراف بهذه الأرقام الخيالية لأننا نحن من مصاف الدول المتقدمة جداً في مجال الثروة الحيوانية، كما انهم يتخيلون بأن السودانيين لا يشترون اللحوم من محلات اللحوم أو الملاحم وإنما يكتفي الواحد منهم بذبح خروف يكفيه لعدة ايام ثم يعاود الكرة مرة أخرى وذلك في اشارة منهم إلى ان الخراف متوفرة وبأبسط الاسعار وقد قال لي ذلك أحد المصريين والذي (انبهر) عندما زار السودان وشاهد حركة القطيع في الولايات التي زارها.. ولكننا للاسف الشديد نقول له رغم القطيع الكبير والمتوفر إلا أن أسعار لحومنا (فوق.. فوق) وكذلك اسعار لحومنا الامر الذي ادى إلى أن يترك معظم السودانيين اكل اللحوم ويتحولون إلى اكل الفول والعدس وهم يبحثون عن البروتين البديل عن اللحوم، وكما قالت جمعية حماية المستهلك في دراستها وهي تنفذ برنامج (الغالي متروك) قالت: (ربع لحمة = صحن فول + قطعة جبن + زيت)، و(اللحمة) هنا تجئ اهميتها طالما انها تساوي صحناً من الفول + قطعة جبن + زيت. فحب السودانيين إلى اللحوم لم يأت من فراغ.. فهي الشئ المتاح عندهم.. ياكلون اللحوم ولا يبحثون عن البدائل طالما ان حظيرتهم كانت في الماضي مليئة ولكن الآن الوضع تغير.. فالحظائر تلاشت رويدا رويدا مع ارتفاع تكلفة الاعلاف + البرسيم.. فتربية المواشي باتت مكلفة جداً ووفقاً لذلك انتهى (سودان السيف السنين والقدح الممدود).. فالسوداني مشهور بكرمه وسيفه السنين لإكرام الضيف.. فالوضع الآن تغير والسبب الأوضاع الاقتصادية غير المفهومة. وياحليل الذي قال: نحن المابسمونا العريب من جم نحن البنركب العاتي البقوم فنضم نحن البنسقي عدونا كأس السم نحن الفي سنة سته بنقول (حرَّم) وسنة ستة هذه معروفة بانها كانت سنة (المجاعة) كالتي نعيشها الآن.. رغم المجاعة فالسوداني كان يقول (حرَّم).. و(حرَّم) تعني (علي بالحرام أو عليَّ بالطلاق) في اشارة منهم لإرغام الضيف للجلوس وانتظار الضيافة والضيافة كانت عن طريق (الذبيح) فعندما عزم ترهاقا لمجيئه للسودان ابتعث عدداً من افراد حاشيته ليأتوا له عن اخبار المائدة السودانية وبالفعل اعد افراده دراسة متكاملة عن المائدة السودانية والكرم السوداني النبيل وعندما اطلع ترهاقا على الدراسة جاء مسرعاً. هذا هو السودان القديم ولكن الآن مع الوضع (الحاصل) تلاشت كل هذه القيم النبيلة التي تحكي عن عظمة الشعب السوداني حتى الاضحية التي كان يتسابق عليها لا اظنه هذا العام يستطيع أن يضحي إلا أن لسان حاله يقول: قال تعالى في سورة الصافات (وفديناه بذبح عظيم) وأخيراً تلاشت كل هذه المعاني الجميلة والخراف تسجل ارتفاعاً جنونياً.