صباح الثلاثاء الماضي جاء صوت آلة تنبيه سيارة (الروضة) التي تحمل صغيرتي «أمينة» قوياً، ففتحت باب بيتي لأضعها في جوف العربة مع بقية رفيقاتها في رحلتها القاصدة لفك الخط والاستفادة من الوقت في ما ينمي قدراتها الذهنية والمعرفية إيذاناً لدخولها المدرسة. ولكن (الأبلة) المرافقة نزلت من السيارة وقالت دون تحية (عاوزين 300 جنيه رسوم التخريج)، فأسقطت في يدي وأنا الذي سددت كامل الرسوم الدراسية من قبل فسألتها «أليس هناك قرار من الجهات المختصة بولاية الخرطوم قضى بإلغاء كافة المظاهر الاحتفالية المكلفة بالنسبة لرياض الأطفال؟» فلم تجبني وأخذت صغيرتي وغادرت بالسيارة إلى مقر الروضة. هذه الروضة هي إحدى قلاع مؤسسة جمال الدين الأفغاني بالحارة 17 الثورة وهي مؤسسة تتقدم كافة المؤسسات التعليمية بمحلية كرري ولها الريادة حتى في نتيجتي الأساس والثانوي وبها كادر تدريس مؤهل وتم اختيارها لليوسي ماس لتفوقها، وفوق هذا وذاك هي لمؤسسها النائب البرلماني عن الدائرة (14) كرري السيد الفادني وبعد هذه المقدمة فإن سكان المنطقة جلهم من الطبقة الثالثة وموظفي الحكومة وصغار العمال والحرفيين فمن أين لكل والد أن يدفع 300 جنيه دفعة واحدة وهو الذي يبحث عن قوت يومه ساعة بساعة، وأن انقضت دون عمل (طار) رغيف عياله وعجز عن توفير (موية الفول). فإن العبرة في تلقي التلميذ الصغير مبادئ القراءة والكتابة حتى يكون جاهزاً للمدرسة وليس في تقليد المترفين الذين لا يعرفون أين يذهبون بمالهم فتتفتق أذهانهم عن فكرة شيطانية صباح كل يوم جديد لتصبح عادة ملزمة لجموع الشعب الذي يئن من وطأة الفقر وقهر الظروف المعيشية الصعبة. ولعل ابنتي هي الأوفر حظاً في أنها وجدت مقعداً في روضة خاصة - إذ لا توجد روضة حكومية - واستطاع والدها أن يدفع (مليون ونصف المليون جنيه بالقديم) لتتلقى دروسها زائد مصاريف يومها من إفطار وعصائر وحلوى لا علاقة لا بمصاريف المنزل وإلا فإنها لن تغادر إلى الروضة. ولكن بعد أن اتخذت الولاية هذا القرار الشجاع برفع وطأة (التخاريج الكرتونية) عن كاهل رب الأسرة الذي ما عاد يستطيع أن يشتري دقيق ذرة مطحون بأقل من ثلاثة جنيهات وكان يُباع قبل ستة أشهر ب(50) قرشاً فإن هذا القرار نعتبره دعماً حقيقياً لأولياء الأمور، لأن الأمهات لا يعرفن إلا (الفشخرة والبوبار). وأنا من هذا المنطلق أعلم إدارة روضة جمال الدين الأفغاني بأني غير معني بمصاريف التخريج إطلاقاً لأن الصغيرة تبقت لها ثماني سنوات بالأساس وثلاث بالثانوي وأربع بالجامعة على أقل تقدير لتتخرَّج. عليه يمكنني الموافقة على دفعه بعد 15 عاماً إن بقيت على قيد الحياة. وأرجو أن يعلم القائمون على أمر رياض الأطفال أن خالة ابنتي تخرَّجت في جامعة السودان قبل أشهر ودفعت مبلغ مائة وخمسين جنيهاً رسوماً للحفل الذي نالت فيه درجة البكالريوس. عزيزي النائب الفادني أنت من سيحمل العبء عن مواطنيك الذين اصطفوا بالآف ومنحوك أصواتهم في الانتخابات الماضية. خروج أول: حدثني الأمين العام لدار فلاح الأستاذ أحمد فلاح بأنه وصل إلى قناعة بأن حكومة المؤتمر الوطني لا ترغب في تخصيص قطعة أرض لدار فلاح إطلاقاً. وأردف «لقد تقدمنا بأوراقنا لكل والٍ للخرطوم ومعتمداً لأم درمان طوال 22 عاماً ولم يحدث شيء». خروج أخير: السيد وزير التخطيط العمراني ألا تستحق دار فلاح قطعة أرض بمساحة 500 متراً في أي بقعة من هذه الولاية المترامية الأطراف؟ نأمل الإجابة!!