في كتاب الصحفي المصري الراحل موسى صبري (50 عاما في قطار الصحافة) نقرأ في صفحة 583 الآتي: ثم طرح مشروع الاتحاد أو الوحدة بين مصر وسوريا وليبيا الذي لم يشترك فيه جعفر نميري وسألته بعد ذلك لماذا لم يشترك فقال إنه لا يشترك مع رجل لا يحترم كلمته مثل حافظ الأسد ومع رجل مجنون هو القذافي. وقد حدث ذلك في عام 1971م وكان السودان في ديسمبر 1969م دولة مؤسسة لميثاق طرابلس إلى جانب مصر التي كان يحكمها جمال عبد الناصر وليبيا. ثم أقيم اتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وسوريا وليبيا ولم ينضم السودان له وكان الشائع أن سبب عدم انضمام السودان لذلك الاتحاد هو مراعاة الخصوصية الجنوبية فلم يكن الجنوبيون منتمين إلى الأمة العربية بأي شكل من الأشكال وكان من سوء التقدير جرهم إلى وحدة أو اتحاد مع دولة أو دول عربية. وكان النظام المايوي بهذا الموقف في منتهي العقلانية وكان يقدم الوطنية السودانية على كل ما عداها ولكن بكتاب موسى صبري عرفنا سببا آخر لذلك الإحجام السوداني عن الانضمام لذلك الاتحاد العربي الذي شمل مصر وسوريا وليبيا، فالرئيس السوري حافظ الأسد من وجهة نظر الرئيس نميري رجل لا يحترم كلمته ومن وجهة نظره أيضا أن القذافي مجنون. ولم يحقق ذلك الاتحاد العربي ما كان مرجوا منه ونستطيع أن نقول إنه كان كيانا اسميا لم يحس به المواطن العربي في الدول التي أنشأته وكان مختلفا جملة وتفصيلا عن الوحدة التي تمت في فبراير 1958م بين مصر وسوريا التي كانت وحدة حقيقية ألقت بتأثيراتها الموجبة والسالبة على الشعبين وعلى المنطقة كلها لكنها انهارت في سبتمبر 1961م. ويلاحظ القارئ إشاراتنا وعوداتنا المتكررة لكتاب موسى صبري (50 عاما في قطار الصحافة) وهو من الكتب التي تقرأ أكثر من مرة فالمؤلف عاش على مدى نصف قرن في صميم وفي قلب الصحافة المصرية التي كانت هي القائدة والرائدة في العالم العربي وفي أفريقيا وكان موسى صبري صحفيا حتى النخاع وقد تخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1943م لكنه لم يعمل بالمحاماة ولا بالقضاء وإنما استهل حياته العملية صحفيا وظل صحفيا حتى وفاته عام 1992م وكان معظم عمره الصحفي رئيسا للتحرير سواء في الأخبار أو الجمهورية وارتبط أكثر بالأخبار وبمؤسسيها مصطفى وعلي أمين. وهو كاتب مقتدر ووقف منذ البداية إلى جانب الرئيس السادات عند صراعه مع مراكز القوى بعد موت عبد الناصر وكانت له علاقة طيبة مع الرئيس نميري تخللتها بعض الأزمات ومنها وهو ما لم يذكره الأستاذ موسى صبري في كتابه المشار إليه أنه مرة أجرى حوارا مع الرئيس نميري ونشره بعد أن حذف بعض أقوال نميري وعدل بعضها واستشاط نميري غضبا وعنف موسى صبري الذي قال له إنه فعل ذلك للمصلحة العربية العليا وقال له نميري هل أنت تعرف المصلحة العربية أكثر مني. وكان موسى صبري محبا للسودان والسودانيين وكان مدخل ذلك العلاقة الحميمة التي نشأت بينه وبين زملائه السودانيين في كلية الحقوق بجامعة القاهرة أول الأربعينيات عقيل أحمد عقيل وأحمد الطيب عبدون وأحمد السيد حمد