* تنتقل أحزان السودان اليوم الى نيجيريا بوفد رفيع المستوى يمثل الرياضيين على اختلاف مشاربهم وألوانهم وتوجهاتهم وأقلامهم، وحتى مناصبهم، بعد أن وحدهم الفقد الجلل وحكم على المشاعر الجياشة بالحزن الجماعي في أول سابقة من نوعها بالبلاد يتداعى لأجلها الرياضيون تعبيراً عن الحب الصادق والوفاء الكبير للاعب الفنان الذي تفرد فكان نسيج وحده مثالاً للجسارة والأداء الجاد. * تدافع الرياضيون من كل حدب وصوب ليكتبوا سطور العز لهذا الوسط المعافى وتأكيد أن الرياضة هى الماعون الواسع العريض، بل هى الوطن الكبير بكل سحناته وألوانه وأعراقه تتفق عنده الأديان والمدارس الفكرية وتتلاقح الثقافات وتتزاوج القبائل مثلما تتلاشى الهويات الوطنية فلا فرق بين سوداني ونيجيري، وهكذا كانت المشاعر تتحدث بلسان فصيح لتدلل على أن ما تصنعه الرياضة لن تقدر عليه السياسة ولا عباقرة الساسة مهما اوتوا من بيان وسلطان. * كان موت ايداهو اختباراً حقيقياً لوشائج الرياضيين ولاتحاد كلماتهم وتوحد القلوب والأفئدة والأبدان خلف الإنسان بعد أن تنحّت الألوان وبات الكل ممتزجاً بلون الرياضة يكاد يتنفسها كما اكسير الحياة. * الحياة التي غادرها ايداهو من داخل الملعب وبلباس الشرف وهو يدافع عن المريخ في أشرف الساحات لا هيّاباً ولا وجلاً قدم روحه فداءً للشعار وذهب الى التاريخ بعد أن قال كلمته ومضى وسطّر اسمه بأحرف النور ونحته على القلوب جمعاء بلا تفريق. * كانت وفاة ايداهو واحدة من الفواجع والابتلاءات التي مُنيت بها البلاد، وتحديداً على المستوى الرياضي، بل كان الحدث الأبرز الذي فطر القلوب. * حطم الفتى أفئدة المحبين وعشاق اللعبة الشعبية الأولى وحاز على صكوك الحب بلا منازع وجمع حوله الآراء وهو ما لم ينعقد لغيره من اللاعبين بعد أن تمثل الأخلاق الفاضلة وزانها بالروح القتالية والدفاع عن الفريق باستماتة وجسارة. * لأجل روح ايداهو الذي أعاد رتق النسيج الرياضي ووحد المشاعر وأزال الاحتقان والألوان والاختلافات وجمع الكل على صعيد التوحد بالمشاعر حتى سالت الأحاسيس النبيلة كأودية من ماء النبل تحدث عن سماحة وأريحية الوسط الرياضي الذي يعيد إنتاج تأريخه الناصع ويقدم نفسه في أثواب من الطهر المعنوي والتصالح النفسي مبرأً من كل غل وحسد. * لأجل ايداهو نطمع أن تكون المناسبة سانحة مثالية للرياضيين لمحاسبة النفس وتقييم المسيرة وإعادة ترتيب الأوراق بعد قراءتها جيدا وقياس المسافة مع الآخر وتعنيفها إذا كانت مخطئة في حق الغير أو ظالمة. * ونتمنى أن يكون ما حدث مناسبة لإعادة العلائق الودية التي كانت ملح التنافس في الزمن الجميل للكرة السودانية. * بيان المريخ الذي صدر بالأمس لم يكن موفقاً لا من حيث التوقيت ولا من زاوية المحتوى، حيث أخرج الشارع الأحمر من دائرة الأحزان والتنادي الى ساحة النزال وافتعال الأزمات مع الاتحاد وإقحام آخرين في الصراع بلا طائل. * يكفي المريخ حزناً أنه فقد المهاجم الخطير واللاعب الكبير ايداهو ولن تماثل هذا الفقد كل الأحزان الأخرى حتى إذا كانت فجيعته كبيرة في الاتحاد، ولن ينال معشار من فن وموهبة اللاعب حتى لو ناطح صخر الاتحاد وصرعه بالقوة وانهاه عن الوجود. * لن يعوض المريخ الفقد الكبير ولن يكسب أية معركة لأنه خسر أعظم رهان وهو الفارس العملاق اللاعب الفنان. * لم تكن الأمانة العامة للمريخ موفقة في البيان الأخير والذى حوى إشارات لأحداث انتهت ولأندية تدافعت بقوة خلف المريخ في مصابه الأليم وتنادت بمشاعر صادقة لمواساة أهل المريخ في الحزن الكبير. * كان على أمانة المريخ تفويت الفرصة والانشغال بما هو أهم وإإهمال ما أورده الاتحاد والعودة له في وقت لاحق حتى لا يطعن الهلال الذي شاركه الإحزان وحتى تندم الفرق التي لبت نداء الرياضة طواعية وذرفت دموع الدم على الفقيد ايداهو. * البيان لا يعد إلا انصرافاً بل انحرافاً بالقضية الأساسية التي أكسبت المريخ تعاطف الجميع، بل تعتبر محاولة لافتعال أزمة جديدة مع الاتحاد والأندية الأخرى نعتقد أن توقيتها غير مناسب. * من حق المريخ الدفاع عن مكتسباته ولكن من دون المساس بحقوق الآخرين أو هضمها أو إنكار الواجب الذي قامت به الأندية الأخرى وتعاطف الرياضيين قاطبة.