{ عمليات إقصاء أطروحة الإنقاذ التي يتزعّمها المشير عمر البشير لم تبدأ مع تشكيل ما يُعرف ب(تجمع أحزاب جوبا)، ولكنها بدأت منذ الأسبوع الأول لقيام ثورة الإنقاذ، فعمرها هو عمر الإنقاذ، عِقدان من المعارضات، ولقد سبق تجمع جوبا ما عُرف وقتها ب(التجمع الوطني الديمقراطي)، فالتجمع الأول أفشلته الحركة الشعبية لتحرير السودان وهي تلحق بقطار نيفاشا، والتجمع الأخير ستُضعفه الحركة الشعبية ذاتها وهي تلحق مرة أخرى (بقطار شريكها) حيث مصالح السلطة والثروة وتقرير المصير. لكن هنالك أدوات مُختلفة ومُتعددة ومتنوعة قد استخدمت على مدى عقدين لإزاحة الإنقاذ من السلطة، بدأت هذه العمليات (بسلاح الإضرابات).. السلاح الأشهر لقبائل اليسار السوداني، غير أن هذا السلاح لم يكن مُجدياً ، في مرحلة ثانية حوصرت الإنقاذ بجبهة طويلة مرهقة امتدت لأكثر من ألف كيلومتر من البحيرات جنوباً إلى سفوح البحر الأحمر شرقاً، جبهة استخدمت فيها كل دول الجوار، لكن هذه الثقافة جعلت السودانيين يلتفّون حول الإنقاذ أكثر. { ثم اهتدى أحد اليساريين يومها إلى طريقة هائلة، وهو يقول (لقد جربنا كل المفاتيح البلدية لفك ماكنة الإنقاذ، ولم تبق أمامنا إلا المفاتيح الأفرنجية)، فجيئ بالمفاتيح الأجنبية التي تتمثل في هذه القوات الهجين التي بالكاد لم تتمكن من حراسة جنودها وممتلكاتها و....، لم تكن هذه (العواصم الإقليمية) وحدها التي تقاتل، فلقد شاركت عواصم غربية ولازالت تشارك في هذا الحلف الجهنمي، واشنطن وحدها شاركت خلال هذين العقدين بخمس دورات رئاسية أمريكية، تعاقب خلالها بوش الأب وبوش الابن والسيد كلنتون والرئيس الحالي ذو الأصول الإفريقية باراك أوباما، في مرحلة مفصيلة اهتدى القوم إلى الذهاب إلى ما يُعرف بالمحكمة الجنائية الدولية لاستصدار قرار يقضي بمثول المشير البشير أمام هذه المحكمة في مواجهة مجموعة اتهامات مُفتعلة، ولم يزد قرارهم هذا الجبهة الداخلية إلا تماسكاً، لكنهم الآن يعودون للمحكمة ذاتها لتضيف إتهام (الإبادة الجماعية)!، والهدف من هذه الخطوة الدولية الأخيرة هو قطع الطريق على شيئين مهمين، قطع الطريق أمام قطار المفاوضات الذي يتحرك من محطة الدوحة هذه المرة بفعالية شديدة، حيث حوصرت الحركات على الأرض بإعادة العلاقات السودانية التشادية، ثم قطع الطريق أمام عودة الرئيس البشير عبر صناديق الإقتراحات المرتقب (الهدف الإستراتيجي). { من جهته أهدى حزب المؤتمر الشعبي (الساحة الداخلية) فكرة هائلة ربما تفضي إلى إقصاء البشير في الإنتخابات المرتقبة، تتلخص أطروحة المؤتمر الشعبي في ثقافة (تشتيت الأصوات)، على أن يترشح أمام الرجل البشير- لله دره- مجموعة مرشحين للأحزاب المُعارضة حتى لا يتحصل الرجل على الأصوات التي تؤهله إلى رئاسة الجمهورية، ومن ثمّ يذهب القوم إلى جولة فاصلة تتواضع فيها المعارضة على مرشح واحد في مواجهة المواطن عمر حسن أحمد البشير. وأسوأ شيء في (أطروحة تشتيت الأصوات) هذه هو تراجع البرامج والأطروحات مقابل هدف واحد، على أن يبقى الهدف الكبير لهذه الأحزاب هو (إقصاء المشير البشير) ولا شيء غير إقصاء البشير، ولا أدري إن كان هذا الهدف سيُطرب عامة الجماهير التي تنتظر (الخبز والدواء والتعليم)، فالجماهير لا يُطربها بطبيعة الحال أن يتعارك الزعماء حول مقعد الرئاسة، وأي الزعماء.. أنهم جيل حنتوب الذي يود أن يحكم السودان من المهد إلى اللحد، فكلهم أصحاب سوابق في الحكم، وكلهم فوق السبعين، ويا أسفي على أجيال السودان المغلوبة على أمرها!!، فالسيد المهدي الذي احتفل منذ أيام بعيد ميلاده الثالث بعد السبعين والذي حكم السودان مرتين ويسعى للثالثة هو أشهر المرشحين، ورجل آخر من جيل حنتوب هو السيد الرفيق محمد إبراهيم نُقد الذي يذهب إلى الثمانين والرئاسة في وقت واحد، وكبيرهم الذي علمهم (سحر وجاذبية التشتيت).. (شتات يا فردة).. هو الآخر أكبرهم سناً وأرجحهم عقلاً.. { ليس بإمكاني أن أزعم بأن عمليات إقصاء البشير التي نذرت بعض العواصم نفسها وإمكاناتها لها، والسفارات والمحكمة الجنائية والحركات المسلحة وغير المسلحة، والشريكة وغير الشريكة، (وجيل حنتوب)، وأحزاب جوبا، والمتردية والنطيحة و... و.. ليس بإمكاني أن أزعم بأنها (عملية مستحيلة) ولكنها عملية شاقّة وعسيرة، غير أن الأمر في آخر المطاف بيد الله سبحانه وتعالى.. { مخرج.. اللهم إن كانت مصلحة عبادك السودانيين في حكومة تأتي بمجهودات السيد أوكامبو وواشنطن وباريس وأحزاب جوبا، فقدرها لنا، وإن كان في ذلك شر لنا في دنيانا وآخرتنا وعقيدتنا وديننا فاصرفنا عنها واصرفها عنا.. إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..