صرخة غاضبة خرجت من أفواه مُلاّك الأراضي بالقماير بسبب أعمال المسوحات الخاصة بكوبري الهجرة الذي يمتد من شارع الحتانة شمالاً الى الريفيرا جنوباً قاطعاً أراضيهم بمنطقة القماير. وأشاروا في حديثهم ل«الأهرام اليوم» أن فرق المسح بدأت أعمالها دون إخطارهم وفرغت من أعمال المسوحات بوضع الأوتاد داخل أراضيهم. وأكدوا أنهم تفاجأوا بالخبر على صفحات الصحف، بينما أكدت وزارة البنى التحتية وإدارة الطرق والجسور بولاية الخرطوم أن المسوحات التي أُجريت غير نهائية وأنها لم تتسلم بعد المخطط التخطيطي للمشروع لتحديد حجم الإزالة وبالتالي تحديد التعويضات. «الأهرام اليوم» زارت الموقع والتقت المتضررين والجهات المسؤولة وخرجت بالإفادات الآتية: إضاءة منطقة الجروف بالقماير تبلع مساحتها (800) حبل، أي ما يعادل (1.600) متر تقريباً، تزدحم بنشاطات اقتصادية متعددة مثل أعمال الطوب والفخار والجير والزراعة. على أن ما يلفت الأنظار عند زيارة تلك المنطقة هو الأعداد الهائلة من العمال البسطاء الذين يجوبون الأرض ذهاباً وإياباً يؤدون عملهم. مُلاّك تلك الأراضي الذين التقتهم «الأهرام اليوم» أكدوا أن عدد العاملين يبلغ (6000) عامل يعولون أسر وهم غالبيتهم خريجو السجون الذين يصعب عليهم أن يجدو أعمالاً تستوعبهم في حالة إزالة هذا المشروع بعد أن اعتزمت السلطات إقامة كوبري الهجرة الذي يمتد من شارع الحتانة شمالاً الى الريفيرا جنوباً على تلك المنطقة. وأكد أصحاب الأراضي ل«الأهرام اليوم» أن الجهات المعنية لم تعلمهم بذلك الأمر الذي دفعهم الى تعمُّد إيقاف العمل بالمشروع لجهلهم بحقيقة الأمر ثم أنذرهم موظفو التخطيط العمراني كتابةً ووصفهم الإنذار بالاعتداء على الأراضي الحكومية الأمر الذي اعتبره مُلاّك الأراضي بالقماير (غريباً) على حد تعبيرهم إذ تضمنت ترويسة الإنذار هيئة حماية الأراضي الحكومية، ووصفهم الإنذار بالاعتداء على الأراضي الحكومية وأعلمهم أن هذه الأرض تم نزعها بأمر من سلطات عليا، إلا أنهم أكدوا أن هذه الأراضي هي ملك حر ويملكون عقودها وشهادات بحث، وأكدوا أنهم ورثوها من أجدادهم ويزرعونها بالإضافة الى أعمال الطوب والفخار منذ عام 1911م. وتمّ تحذيرهم بأنه في حال عدم إخلائهم الأرض سيتم إجبارهم على ذلك باستخدام القوة. وأكدوا مُلاّك القماير في حديثهم ل«الأهرام اليوم» أن الأمر خضع للتفاوض وتمّ بناءً على ذلك تكوين ثلاث لجان من قبل المُلاّك: لجنة للحصر الزراعي وأخرى لحصر المنشآت داخل الحقل الزراعي ولجنة لحصر الكمائن والجير والفخار والطوب. وسمحنا لهم بعدها بمواصلة أعمال المسح بعد أن عملوا تقديرات التعويض في حالة النزع الكلي. الشرطة تتدخل وقال مُلاّك أراضي القماير ل«الأهرام اليوم» بينما نتفاوض في مسح الشارع تفاجأنا بشركات جاءت لمسح عطاء مشروع عرفنا فيما بعد من وسائل الإعلام أنه مشروع كوبري الهجرة الذي أصبح معلوماً يعرفه الجميع عدا نحن أصحاب الأراضي ومُلاّكها الحقيقيون، كنا آخر من يعلم بالمشروع وهي ملك حر لنا، وبدأ العمال في المسح دون أن يُفصحوا عن هويتهم، وما زاد (الطين بله) إحضار قوات الشرطة في قوة قوامها خمسة (دفارات) بالإضافة الى عربات الشرطة والنجدة التي ارتكزت في منطقة حي الروضة، وكان منظراً مستفزاً للغاية، وكان لا يخلو من الإرهاب والإجحاف، تخوف المواطنون في بداية الأمر ثم بعد مرور يومين اشتبك المواطنون مع قوات الشرطة، وأُخذ أبناء المنطقة للمحكمة ولاتزال جلساتها مستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وتمّ الاتصال بمولانا عصام مدير الأراضي قال إن لديه أجهزة تنفيذية علينا أن نلجأ اليها مشيراً الى أنه لن يتدخل إلا إذا ثبت تعطيل تلك الأجهزة. مُلاّك الأراضي قالوا نحن لم نجد سوى إجابات هلامية غير مقنعة بالنسبة لنا. الوقت يمر وانقضت الآن ثلاثة أشهر ولم يتم الاتفاق على صيغة واضحة لتعويضنا أو حتى التفاهم معنا بينما يواصل العمال إجراء مسوحاتهم. وختموا حديثهم بقولهم: إذا كان الكوبري هو صالح عام أيضاً فهذا المشروع الذي يضم (6000) عامل هو الآخر صالح عام لأنه يضم عمال السجون وهم يعولون أسراً كبيرة. وكرر أصحاب أراضي القماير في حديثهم ل«الأهرام اليوم» أنهم لا يرفضون التنمية ولكنهم يرفضون أن تتم على حسابهم وحساب مصالحهم، وطالبوا بتعويضات عادلة أسوة بكل المتضررين من مشاريع التنمية. داخل الطرق والجسور «الأهرام اليوم» دفعت بتلك التساولات الى طاولة الدكتور أزهري السنوسي مدير الطرق والجسور بوزارة البنى التحتية الذي أكد أن الموقع مسار مقترح إلا أن أصحاب المنطقة اعترضوا العمل فيه رغم أنها تقوم فقط بمسوحات وعمل دراسات لتنفيذه، وندرس عدة مسارات أخرى لمعرفة طول المسار والمساحة المتاحة لعمل الرفع المساحي، وكذلك ندرس ما يمكن أن يعترض المسار سواء كان منطقة زراعية أو غير ذلك؛ إذ أن القائم الآن في هذه المنطقة هو مسح أوليّ وليس مسحاً تفصيلياً في إطار جمع معلومات عن المسار من الناحية الشرقية والغربية منها لمعرفة معلومات أساسية عن استعمالاته ولعمل دراسة من ناحية بيئية وجيولوجية وزراعية واستخدامات الأرض هناك، ونقوم الآن بإعداد التقرير الأولي ويتضمن عدة جوانب بينها هل الكوبري نفسه مناسب وهل المنطقة تناسب تلك الأعمال؛ إذ أمامنا عدة خيارات قد يكون المسار جيداً لكن تكلفته عالية، بعد ذلك نقوم بعمل مسوحاتنا التفصيلية هي تحديد المسار بصورة واضحة ثم تأتي بعد ذلك مرحلة طرح العطاء واختيار المقاول الفائز بعد ذلك يأتي جانب التنفيذ. أما عن المسار الحالي الذي بدأناه هو مسار افتراض أوليّ منطقة وسطى ما بين كوبري الحلفايا وشمبات وقدرنا فيه بدل أن يقطع الشخص كل هذه المسافة نعطيه منطقة وسطى ما بين الحلفايا وشمبات ويدخل على طول شارع الوادي، ذلك يخفف الضغط الشديد على كوبري شمبات فهي منطقة سكانية كبيرة مأهولة بمنطقة وسطى بين كوبري شمبات والحلفايا وتعطي خيارات أكثر للمواصلات. وأكد وزير الطرق والجسور ل«الأهرام اليوم» أن مشروع كوبري الهجرة جاء ضمن خطة 2010م تحت الدراسة، مشيراً الى أن معلومات المسار لم تحدد طول وقصر الكوبري نفسه وبالتالي لم نحدد حجم الإزالة هنالك، وأوضح أن صناعة الكباري مكلفة جداً وبالتالي نحتاج الى دراسات مستوفية وإلا كانت مجازفة. وقال إن ذلك لا يتم إلا بعد إجراء المسح الأوليّ والرفع المساحي لمعرفة موقع الكوبري والطرق المرورية المؤدية من بحري الى الكوبري ومن أم درمان الى الكوبري المقترح ووصلة الكوبري التي نعتبرها مهمة؛ إذ لا بد أن تكون له وصلة ذات مساحة واسعة جداً لتجنُّب التكدُّس قدر الإمكان، ولابد أن تكون الوصلة ممتدة بمساحة تسمح بتوزيع الحركة، كذلك الطريق المؤدي يجب أن يكون بمساحة أوسع من عرض الكوبري وداخل مسارين في كل اتجاه وطرق واسعة وكبيرة وهي ذاتها طرق رئيسية والكوبري نفسه يتفرع في شارع عريض. وبعد اكتمال تلك المعلومات تبدأ أعمال التخطيط وبعد الفراغ منها ندفع بها الى مسؤولي المساحة ويرفع بعدها التقرير النهائي حول المنطقة، هل هي منطقة تجارية أم زراعية. أين التعويضات وأشار مدير الطرق والجسور في حديثه ل«الأهرام اليوم» الى أنه في حالة التعويض دائماً يقال إن (فلان جاته ليلة القدر)؛ لأنه يتم تعويضه بما يرضيه، فلابد من حساب تكلفة كل المناطق التي تتأثر بالكوبري ويؤخذ في الاعتبار وجود خطوط مياه أو بحر أو منطقة آثار وغيره. وأوضح السنوسي أن عملية الدراسة لا تتم إلا بعد الرفع المساحي وإعداد قرار تخطيطي يؤكد تسليمنا تلك المنطقة وهنا يرى المشروع النور ويتم حصر التعويضات. واعترف السنوسي بعدم إخطار أو الاستئذان من أصحاب القماير، ووجهة نظره في ذلك أن الأمر لا يحتاج، وقال: «نحن خاطبناهم وأخبرناهم بأننا لا نريد أن نعمل الآن وفي حال دخول أراضٍ في هذا المشروع يتم تعويض على مستوى الأفراد»، وأضاف: طلبنا منهم عدم التعرض للمسّاحين والعمال بالمنطقة. وقال إن إدارته لا تتفاوض مع العامل الصغير أو المستأجر وإنما يتم التفاوض مع صاحب الملك مباشرةً، ويتم ذلك بالتراضي مع عرض السعر المناسب أو السعر العام، مشيراً الى أن الأرض الزراعية لديها سعر معروف، كما أن كل مدينة لديها سعر محدد يحسب ب(الحبل أو الفدان) وهذا الأمر ليس فيه مجاملة ولابد من تعويض كل الناس المتضررين بسعر واحد، مشيراً الى أن المشاكل تحدث عادةً بعد الاتفاق عندما يرفض المتضرر أخذ التعويض ويعيق العمل، والآن نحن لم نعتدِ على أرض مواطن واحد «لم نجر فيها آلة واحدة» ولن يحدث ذلك إذا لم يتسلم أصحاب الأرض حقوقهم كاملة ونحن نبني ونعمِّر من أجل المواطن لا من أجل ضرره.