أطلق الرئيس عمر البشير تصريحات ساخنة أثناء المباحثات التي دارت بينه والرئيس الروسي فلادمير بوتين، دارت حول العدوان الأمريكي على السودان. واتهم البشير بصورة واضحة أمريكا بتقسيم السودان لدولتين والسعي للاستمرار في تقسيم السودان لعدة دول من ثم المطالبة بحماية روسية لوقف العدوان الأمريكي، التصريحات التي صدرت عن البشير ربما أدت لخلط كثير من الأوراق الدبلوماسية التي يضعها وزير الخارجية غندور تحت يده أبرزها ورقة التطبيع الكلي مع أمريكا. أوراق مبعثرة في أعقاب رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن السودان، أعلنت الخرطوم رغبتها الجامحة في تطوير وتوطيد علاقتها مع أمريكا بغية الوصول لمرحلة التطبيع الشامل، خاصة أن العلاقات بين البلدين ظلت في تراجع وانحسار كبير منذ وصول الإسلاميين للسطلة في 1989م. وعقب رفع العقوبات أرسلت واشنطون نائب وزيرخارجيتها للسودان الذي مكث بدوره أكثر من ثلاثة أيام بالخرطوم، وربما تكون هي الزيارة الأولى لمسؤول أمريكي رفيع للخرطوم، بيد أن خيوط التواصل بين الخرطوم وواشنطون ربما تتعرض لهزة عنيفة بسبب الهجوم العنيف الذي شنه البشير مؤخراً من روسيا والمطالبة بتوفير حماية من عدوان أمريكا، بيد أن هذه الفرضية يرفضها عدد من الخبراء الدبلوماسيين والقول بأن السودان يقف على مسافة واحدة من كل الدول ومن حقه بناء علاقات أكثر تميزاً مع أي من الدول. حديث متكامل حديث الرئيس البشير عن أمريكا واتهامها بتقسيم السودان يبدو رائقاً لدى المختص في الشأن الأمريكي د. محمد مصطفى الضو الذي قال ل(الصيحة): حديث الرئيس في زيارته الحالية لروسيا يعتبر حديثاً متكاملاً، والسودان تربطه علاقة قوية مع روسيا وقامت بدعم السودان بصورة منقطعة النظير داخل مجلس الأمن الدولي بمعاونة الصين، ووقفوا ضد كثير من القرارات الأمريكية في أوقات سابقة. وأضاف الضو: العلاقات السودانية حينما كانت متراجعة مع أمريكا، كانت روسيا تساند وتدعم السودان، مضيفاً: ليس هنالك تعارض في التقارب مع روسيا والسعي في نفس الوقت للتطبيع مع أمريكا، مستشهداً بالتقارب بين روسيا والسعودية وزيارة الملك سلمان لروسيا مؤخراً، قائلاً: السعودية لديها علاقات مميزة مع (أمريكاوروسيا)، والملك سلمان زار روسيا قبل فترة وجيزة، وكذلك مصر لديها علاقات جيدة مع روسياوأمريكا، بالتالي من حق السودان بناء علاقات مميزة مع روسياوأمريكا دون حدوث أي تقاطعات. علاقات متينة منذ وصول الرئيس البشير للحكم في السودان لم تتسنَّ له زيارة دولة روسيا، لذا حملت الزيارة الأخيرة عدة تفسيرات أبرزها خلق صداقة دائمة مع دولة تعتبر من أبرز الأقطاب في المجتمع الدولي عطفاً على ذلك يرى البعض أن الاستثمارات الروسية في السودان هي التي شجعت على وجود زيارات متبادلة بين الدولتين، وهذا ما ذهب إليه محمد مصطفى الضو الذي قال: روسيا لديها استثمارات قديمة وضخمة في السودان خاصة في مجال التسليح العسكري والتعدين بالتالي من الطبيعي أن تسعى الخرطوم للمزيد من التطبيع وكسب استثمارات وعلاقات جديدة مع موسكو. وحول إمكانية تأثُّر العلاقات السودانية الأمريكية بالتقارب مع روسيا، قال الضو: العلاقات مع واشنطون تسير بصورة مطردة، ولكنها لم تبلغ المدى المقصود، من حق السودان بناء علاقات جيدة مع كل دول العالم. في السياق يقول السفير الطريفي أحمد كرمنو إن العلاقات السودانية الروسية لم تكن إيجابية منذ عهد الرئيس الراحل جعفر نميري وأزدادت سوءاً بعد الإعدامات التي نفذها النميري في حق زعامات الحزب الشيوعي أمثال عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ، ولكن ربما تحسنت العلاقات في عهد الإنقاذ، وبدأت تسير بصورة طيبة، قائلاً إن أمريكا لا ترفض مثل هذه العلاقات، ولن تتدخل فيها، وعلى السودان أن يغير من سياسته الداخلية التي تنعكس على سياساته الخارجية. فصل الجنوب الرئيس البشير قال بصورة واضحة إن أمريكا قامت بتقسيم السودان وفصلت الجنوب وتريد مزيداً من الانقسامات في السودان، مع طلب للرئيس بوتين للوقوف ضد التقسيمات التي تريدها أمريكا مستقبلاً للسودان. اتهام البشير لأمريكا بتقسيم السودان يقول عنه محمد مصطفى الضوء: أمريكا نفسها لم تنكر مساهمتها في فصل الجنوب، وكانت تعتقد أن الانفصال هو الأفضل لشعب الجنوب، ولكن اتضحت لهم عدم صحة رؤيتهم. وأردف الضوء بالقول: مساهمة أمريكا في فصل الجنوب لا تحتاج لأدلة دامغة، وهو أمر يعلمه القاصي والداني. ويتفق السفير الطريفي كرمنو مع محمد الضوء ويقول: أمريكا فصلت الجنوب، وبعده فقد السودان جزءاً كبيراً من ثرواته مثل النفط الذي اتجه جنوبا بعد الانفصال، وهي تسعى في الوقت الحالي لفصل عدد من مناطق السودان في إطار سياسة تقسيم الشرق الأوسط الكبير. تشكيل حماية وضع طلب الرئيس البشير من روسيا تشكيل حماية للسودان ضد العدوان الأمريكي، وضع أكثر من علامة استفهام، ولكن طلب الحماية يبدو مقبولاً لدى السفير الطريفي كرمنو حيث قال: روسيا تملك الجرأة للوقوف أمام أمريكا عسكرياً رغم أن واشنطون تعتبر القوة العسكرية الأكبر في العالم، وأضاف: ولكن ربما تحدث تقاطعات في المصالح بين البلدين، وقال كرمنو إن أمريكا تستهدف السودان بشكل ممنهج وتسعى لتقسيمه لدويلات، وهي سياسة أمريكية وُضِعت منذ الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، والعمل على تقسيم الشرق الأوسط من خلال تقسيم مصر لدولتين وإنشاء دولة للأقباط في جنوب مصر، وإنشاء دولة في الجزائر وأكثر من دولة في السودان.