المؤتمر الصحفي الذي عقده سفير السودان بلندن عبد الله الأزرق أمس الأول ونشرت تفاصيله صحف أمس الجمعة، حمل مفاجأة تمثلت في اعتزام شركات بريطانية الدخول في استثمارات ضخمة في السودان تصل قيمتها إلى مليار دولار، والخبر حمل إشارتين مهمتين، الأولى أن التقارب الاقتصادي سيتم هذا العام، مما يعني الإسهام المباشر في فك «الزنقة» المالية الحادثة بالبلاد جراء متغيرات داخلية وخارجية، سيما أن وزير المالية قال إن عجز الموازنة يتجاوز «6» مليارات دولار. والإشارة الثانية أن الاستثمار البريطاني المرتقب يأتي ضمن حزمة مشروعات حقيقية ومطلوب العمل فيها، وهي قطاعات التعدين والطاقة والغاز والزراعة والتصنيع، وهي قطاعات وجدت إهمالاً من الحكومة نفسها أيام العهد الغابر «البترول». وإن بدا الأمر اقتصادياً بحتاً فهو على كل حال لا ينفصل البتة من السياسة، لجهة الصلة الوثيقة بين الملفين وإكمال أي منهما للآخر، والجديد في الشأن البريطاني الذي نحن بصدده، أن هذه المشروعات الاستثمارية سبق الإعلان عنها وصول وفد بريطاني بحسب السفير الأزرق إلى الخرطوم الأسبوع الماضي بقيادة البرلماني المخضرم اللورد راز القيادي في حزب المحافظين الحاكم، بدعوة من الخارجية السودانية وليس وزارة الاستثمار، وهو تأكيد على تفهم الخارجية دورها الحقيقي، وهو استغلال أنصاف الفرص حتى ولو كانت رياضية. والحكومة الآن جاءتها فرصة على طبق من ذهب لاستثمار الثقل البريطاني في المسرح الدولي والإقليمي وتوظيفه في علاقاتها الخارجية على الأقل في العلاقات السودانية الجنوبية، سيما أن تواصلاً حميماً يربط بين بريطانيا وعدد من المسؤولين بالدولة الجنوبية، غير متناسين أن علاقات الخرطوم ولندن عقب الانفصال ارتقت درجات، وتمخض عن ذلك زيارتان مهمتان لكل من وزير الخارجية علي كرتي ومساعد رئيس الجمهورية د. نافع علي نافع للندن. وسبق الزيارتين وصول وزير الدولة بالخارجية البريطانية للشؤون الإفريقية هنري بيلنغهام للخرطوم بعد أيام فقط من انفصال الجنوب، واللافت في زيارة المسؤول البريطاني أنه قدم للخرطوم من نيويورك مباشرة بعد حضور جلسة لمجلس الأمن تبنى خلالها مشروعاً لقبول عضوية جنوب السودان بالأمم المتحدة، وبالقطع لم يكن ذلك مصادفة. إن بريطانيا إحدى الدول الخمس الكبار التي تمسك بخيوط اللعبة السياسية، وتدرك تضاريس ومتغيرات الأوضاع في العالم، ولذلك فالعلاقة معها من الممكن أن تكون مفتاحاً لكثير من الأبواب الموصدة عن عمد أو غيره في وجه السودان.