كشفت ندوة «السودان بعد الانفصال.. الفرص والتحديات» التي أقامها مركز التنوير المعرفي أمس عن فرص كبيرة تنتظر السودان للنهوض شريطة تجاوز عدد من التحديات أفاض في شرحها مستشار الرئيس د. غازي صلاح الدين الذي أشار لحاجة السودان لترتيب الأولويات الوطنية بحيث يُقدَّم المقدَّم ويؤخر المؤخَّر، وذكر وجود تحديات كانت متقدمة وغالبة على الساحة السياسية من بينها إنشاء الدستور الذي لم تبدأ تجاهه سوى خطوة توجيه الرئيس بتكوين مفوضية قومية لوضع وصياغة الدستور. وأشار غازي إلى أن الأمر نفسه قضية خلاف، وضرب مثالاً لذلك ما يجري في مصر من خلاف حول من يكتب الدستور الآن. وقال «كتابة الدستور ليست عملاً سهلاً وسيكون التحدي الأكبر في السودان حول من سيكتبه» وتوقع بروز أصوات معارضة لأجل المعارضة فقط، واستدل بتعليق سابق عن الديمقراطية «سنرفضها ولو جاءت مبرأة من كل عيب» وقال «يمكن أن تأتي بدستور مبرأ من كل عيب ثم لا يقبل»، وأشار إلى أن الإعداد للدستور لا يقلُّ أهمية من الدستور نفسه وقال «نعلم أن الناس يمكن أن يتفقوا على الدستور بنسبة «99 %» ولكن نسبة ال«1 %» يمكن أن تكون فيها قوى سياسية تريد أن تعيق الدستور.. وتساءل: ولكن هل من بديل؟ داعياً للبحث عنه. وطرح غازي مبادرة بأن يكون الدستور القادم تراكمياً وغير مكتوب أسوة بالبريطاني بمعنى أنه لا يوجد دستور بالمعنى ولكن تراكم بالخبرة والمواقف السياسية والاختبارات التي حدثت على مدى مئات السنين يمكن أن تشكل دستورًا، وتساءل مرة أخرى: هل نقبل بتجربة شبيهة بدلاً عن الدخول في صراع مع نسبة «1 %» من الذين يمكن أن يرفضوا مما يمكن لذلك أن يؤدي إلى خلاف وانشقاق وطني، وهل يمكن أن يكون الدستور عملاً تراكمياً يجاز ما اتفق عليه؟ ومضى غازي إلى أن هذا الطرح مجرد محاولة من طرفه لإيجاد حل للمشكل، وأضاف أنه من دون أن يكون هناك إجماع وطني سيكون من الصعب جدًا أن يصاغ دستور. ومضي غازي في سرده للتحديات التي تواجه السودان في المرحلة المقبلة منها مسألة الوحدة الوطنية وأشار إلى أنه من الصعب التعامل مع التحديات الأولية كتحدي الحرب والاقتصاد الصعب جدًا حسب وصفه والذي جاء في أعقاب تعديلات هيكلية في النظام الاقتصادي الكلي جراء الانفصال، وأضاف هذا كله يجعل من الأولوية على الجميع وليس الحكومة وحدها أن تضع أساساً متيناً لوحدة وطنية ومناقشة كيف تكون وما هي أجندتها؟ ومن ثم الاتفاق حولها من قبل القوى السياسية، وأكد أن حزبه يتحمل في ذلك مسؤولية أكبر من الآخرين لجهة أن العمل أمامه مفتوح أكثر منهم، وأشار إلى أن هذه هي النيّة القائمة فعلاً داخل الحكومة، وشدد على أنه ينبغي ألا يكون ذلك بإطلاق الشعارات فقط. ودعا غازي إلى ضرورة إيجاد تعريف جديد للوحدة الوطنية بسبب أنه ترسّخ للناس أن الحديث عنها هو حديث عن أحزاب بعينها وكأنها لا تتم إلا بوجودها، وأردف « قد يكون هذا صحيحاً ولكننا محتاجون لطرح تعريف جديد خاصة في ظل تحولات كبرى في الطبقة الوسطى في المجتمع» وقال:«لا يمكن أن نتحدث عن أحزاب ونهمل كتلة يمثل الشباب عمادها» متسائلاً عن كيفية إدراجهم في صياغة هذه الوحدة؟ وأشار إلى وجود تشكيلات أخرى جديدة في المجتمع برغم عدم كثافتها في العدد ووصفها بالفاعلة كمنظمات المجتمع وأساتذة الجامعات. ولم ينسَ مستشار الرئيس أكبر التحديات التي أرهقت السودان مؤخرًا وهي بروز الولاءات القبلية وقال:«لا شك أن القبلية أخذت تتطور تطورًا متقدماً وهو في مجمله تطور سالب» وأشار لتأثيراتها في مناطق النزاع. وأشار غازي إلى أنه سيكون واحدًا من أهم المطالب أمام السودان وهو مطلب بعيد المدى لابد من الحديث عنه الآن وهو مطلب سماه «مؤسسة الدولة» بحيث تقوم الدولة على مؤسسات وليس أفراداً أو أحزاباً أو طائفة وهذا يتيح فرصة تبدل القيادات بصورة راتبة ودورية وغير مرهونة بشخص أو حزب أو جماعة أو قبيلة.