عشرات الآلاف من السودانيين بمصر شاركوا الشعب المصري في احتفالاته بفوز محمد مرسي في انتخابات الرئاسة، وقد شوهدوا وهم يحملون صوره ويهتفون بفوزه في الميادين والطرقات، وتأتي الفرحة من أجل أمل ينشدونه لوضع أفضل في ظل الحقبة الجديدة، وكانت الإحصائيات الأخيرة للمكتب الإقليمي لمفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، والذي يتولى تحديد وضع اللاجئين في مصر، قد سجلت خمسة ملايين سوداني، وهو العدد الذي تم منحه صفة لاجئ في مصر بعد حصوله على اللجوء السياسي، إلا أن آلاف السودانيين غير هذا العدد موجودون أما بإقامة رسمية أو بصورة عشوائية، وكان معظمهم مقيداً أو مضطهداً في فترة النظام السابق، فهم لا يتمتعون بالحريات المنصوص عليها في المعاهدات المبرمة بين البلدين، ونعني هنا بالتحديد اتفاقية الحريات الاربع، وبالرغم من المصادقة على الاتفاقية بين حكومتي مصر والسودان ودخولها حيز التنفيذ في سبتمبر من عام 2004م، إلا أن جميع التقارير تؤكد أن الحكومة المصرية السابقة لم تنفذ نصوص الاتفاقية، حيث أن العمال السودانيين يتعرضون الى ضغوط وضوابط صارمة تُطبق على كل الأجانب الآخرين الراغبين في الحصول على تصريح عمل، وحتى رغبتهم في الحصول على مهارات متخصصة فهي متاحة ومضمونة للعمالة المصرية حتى لا يزاحمهم عليها الآخرون. غير أن البعض يرى أن التقصير الأكبر يأتي من جانب الحكومة السودانية، فهي لم تتابع الوضع القانوني للمهاجرين السودانيين في مصر، من حيث اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية التي تهدف إلى التنفيذ الفاعل لاتفاقية «الحريات الأربع»، وذلك بسبب سوء العلاقات بين الحكومتين، وهناك عدد من المآسي ذكرها السودانيون بمصر في ظل النظام السابق، فقد تم القبض على العشرات منهم بحجة عدم الاقامة الشرعية او بتلفيق تهم كاذبة، حيث تم اعتقالهم وتعذيبهم فى السجون. ومن ضمن هؤلاء المعتز بالله محمد أحمد الذي كان يعمل صحافياً في السودان ثم هاجر الى مصر في عام 1991م، وكان يرغب في الهجرة الى ألمانيا، وأثناء تكملة إجراءاته تفاجأ بأفراد من الأمن يعتقلونه، وبعد تعذيب شديد في المعتقلات المصرية وجهت له اتهامات بالتجسس والإرهاب وتقويض النظام في مصر، وكان كل دليلهم أنه يؤدي صلواته الخمس بالمسجد فقط، ولسوء العلاقات السودانية المصرية وقتها اتهم بأنه يتبع للنظام السوداني الحاكم، وأنه مكلف بإدارة شبكات في مصر لصالحه. وحكم عليه بعشر سنوات سجناً، وبعد جهود كبيرة أسقطت نيابة الدولة المصرية العليا عنه التهمة، إلا أنها لم تطلق سراحه، وقضى أعواماً بسجن الترحيلات بمصر. وبعد أن تأكدوا من أنه لا علاقة له بالجماعات الإسلامية عرض عليه أن يعمل لصالح النظام المصري «نظام حسني مبارك»، وأن يعيش في مصر، الا أنه رفض وعاد أدراجه إلى السودان. وبعد سنوات عديدة من الحادثة عاد إلى مصر في بداية هذا العام من أجل علاج ابنته، وما أن هبط بمطار القاهرة وبعد أن سلم أمن المطار جوازه للإجراءات الروتينية، تفاجأ بهم يستدعونه لداخل أحد المكاتب ومن ثم تم اقتياده الى أحد المعتقلات، فوجد عشرات السودانيين المحتجزين، ولأن جهاز الأمن المصري إبان الثورة يتبع لنظام مبارك، فقد اكتشف أن اسمه مازال مدرجاً في قائمة الإرهاب، وبينما هو في المعتقل كان عدد السودانيين المعتقلين يتضاعف، فقد وقفوا أمام كل السودانيين الذين يحلمون بالخروج للدول الأخرى عبر مصر، والآن أكثر من «400» سوداني محتجز بمكاتب الامن المصري، وعدد آخر مضاعف معتقل بتهمة تهريب السلاح من مصر الى غزة عبر الانفاق، وقد عانى هؤلاء اقتصادياً وصحياً واجتماعياً ونفسياً، وأصبح الكثير منهم متشردين في شوارع مصر يفترشون الأرض ويلتحفون السماء فى ميدان مصطفى محمود أو على الحدود المصرية الإسرائيلية. أما محمد المصطفى فقد قضى عشرين عاماً بمصر، وتحدث إلينا والفرحة تغمره، فهو يعتبر فوز محمد مرسي بكرسي الرئاسة في مصر أمل الخلاص للسودانيين قبل المصريين، وتوقع انفراجاً في العلاقات السودانية والمصرية قريباً، وحل كل الازمات ابتداءً بالحريات الأربع وانتهاءً بقضية حلايب. ووافقه في هذا الرأي محمد بشارة الذي أكد أن الحكومة السودانية كانت مخلصة للشعب المصري، بدليل منح المصريين أراضي شاسعة للاستثمارات الزراعية، الا أن حكومة مبارك السابقة تنكرت لذلك حسبما قال، وتوقع أن يتم الإفراج عن جميع المعتقلين بالتهم الزائفة، وأن تتجدد مقولة «أبناء النيل الشعب الواحد». وتنبأ الدكتور حسن مكي مدير جامعة إفريقيا بأن يكون هنالك انفراج كبير في المشكلات العامة بين البلدين، خاصة في ما يتعلق بقضية السودانيين بمصر. وتوقع أيضاً أن تتم إجازة اتفاقية الحريات الأربع، إلا أن المشكلات على الصعيد الشخصي للأفراد فلا دخل لتغيير الحكومات فيها، ويجب ألا ننتظر حلها بقدوم مرسي.