بإقرار التعديل المحدود على القانون الذي أقره مجلس النواب، والذي لم يتجاوز إضافة عشرة مقاعد على القائمة الوطنية لتغدو 27 مقعدًا «18 في المئة من مجموع المقاعد»، بإقرار التعديل المذكور يمكن القول إن ملامح المرحلة المقبلة قد غدت أكثر وضوحًا، لأن مسألة المشاركة بالنسبة لقوى المعارضة وفي مقدمتها حزب جبهة العمل الإسلامي لم تعد مثار جدل كبير، إذ يتوقع أن يذهب الحزب نحو توافق مع الجبهة الوطنية للإصلاح وحركات شبابية وقوىً سياسية عنوانها الدعوة للمقاطعة. أما الجدل الذي أثير خلال الأيام الماضية بين جناحين داخل الإخوان وحزب الجبهة حول المشاركة فلم يعد ذا قيمة في سياق الحديث عن المشاركة والمقاطعة، لأن أحدًا كما هو متوقع لن يتبنى رؤية المشاركة في ظل القانون بصيغته المقرة. لقد قلنا من قبل إنه لو طُرحت صيغة معقولة لقانون الانتخاب لكان بوسعنا الحديث عن جدل محتمل حول مسألة المشاركة والمقاطعة داخل الإخوان، وهو جدل ليس بين جناحَين كما يذهب البعض، ولكن بين أعضاء مجلس الشورى داخل الجماعة والحزب، وسنعثر من بين المحسوبين على الجناحين من يتبنى رؤية المقاطعة والمشاركة، لكن صيغة القانون الجديدة جاءت مريحة إلى حد كبير، والأرجح أن يؤخذ القرار بالمقاطعة دون كثير جدل، وإن كان المسار المقترح هو التنسيق في اتخاذه مع القوى الأخرى المعنية بمسار الإصلاح كما أشير من قبل. هنا يتبدّى ذلك البؤس الذي انطوت عليه تحليلات قرأت مقال الدكتور ارحيل غرايبة وفق هواها التقليدي القديم، وهي ذاتها التي صدعت رؤوسنا بحكاية الصفقة «صفقة القانون والمشاركة والتوطين والوطن البديل» التي افتضحت تمامًا خلال الأسابيع الماضية دون أن يتراجع مروجوها أو يعتذروا، فضلاً عن القول بأن طرفًا في الإخوان يعتبر الأردن ساحة خلفية لحماس، لكأن الإصلاح في الأردن يضر بحماس، أو لكأن المشاركة قد قدمت شيئًا ذا قيمة للحركة، فضلاً عن حقيقة أن القانون بصيغته الحالية إنما يحشر الفضاء الذي يُنسب إليه الطرف المتهم في إطار ضيق لا يمكن أن يكون مؤثرًا بحال من الأحوال حتى لو اتخذ قرار المشاركة في الانتخابات، لاسيما أن الفضاء المشار إليه سيميل على الأرجح للمقاطعة كما فعل في الانتخابات الماضية. أميل شخصيًا إلى أن الدكتور ارحيل، وهو من رموز الجماعة المقدرين تاريخًا ورؤية، قد كتب المقال وهو في حالة غضب يمكن تفهمها بسبب تسريبات ثبت خطؤها، هو الذي طالما قال إن الخلاف الداخلي لا صلة له بالبرنامج الفكري والسياسي، لاسيما أن الجماعة لم تكن موحدة يومًا خلف رؤية سياسية واضحة وواحدة كما كانت خلال العامين الماضيين. وقد كان صادقًا ومحقًا حين ذهب إلى أن الإصلاح في الأردن وعموم الربيع العربي إنما يصبُّ في خدمة القضية الفلسطينية، لأنها قضية الأمة جمعاء وليست قضية الشعب الفلسطيني وحده «خرجت حماس من سوريا انحيازًا للشعوب وللربيع العربي». ونتمنى بالطبع أن يكون الجدل الذي أثير محطة باتجاه لملمة صفوف الجماعة من جديد، وهو ما أميل إليه بناءً على تاريخها وتجربتها، خلافًا لمن يتمنون أن يكون محطة باتجاه تفتيتها، الأمر الذي لن يصب؛ لا في مصلحة الجماعة ولا البلد برمته. نعود إلى القول إن أحدًا مهما كان لا يمكن أن يتوقع مشاركة الإخوان ضمن صيغة القانون الحالية، وقد كان بوسع المعنيين أن يذهبوا نحو صيغة تفرز برلمانًا سياسيًا على نحو مقبول بدل الإبقاء على صيغة الصوت الواحد المجزوء، لاسيما أن القائمة الوطنية بصيغتها المطروحة «قوائم وليس أحزابًا» والنسبة المحدودة المخصصة لها لا يمكن أن تعد تطورًا على درجة من الأهمية، حتى لو اعتبرت تقدمًا بهذا القدر أو ذاك. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا بعد إقرار القانون هو ذلك المتعلق بردود فعل القوى السياسية المعارضة والحراكات الشعبية على إجراء الانتخابات في ظل القانون الحالي، أعني برنامجها للمرحلة التالية. وهنا يمكن القول إن ذلك سيعتمد على جملة من العوامل المحلية أولاً؛ والعربية والدولية وعموم مسيرة الربيع العربي ثانيًا، لكن الأرجح أن مطالب الإصلاح ستتواصل، لاسيما أن نتائج الانتخابات لن تأتي على الأرجح ببرلمان يختلف عن البرلمان الحالي.