سبعة عقود مضت، وبلادنا تعيش عدم استقرار دستوري.. تعيش على دساتير انتقالية..أحزابنا السياسية اخفقت في التوصل إلى صيغة مقبولة لدستور دائم لتكون لنا دولة نتقاسم فيها الحقوق ونتبادل فيها الحقوق بموجب منطوق الدستور المتفق عليه. فلدينا مخزون إستراتيجي من مشروعات الدساتير.. والدساتير الانتقالية وهي بالضرورة غير متفق عليها وغير معترف بها بإجماع الآراء.. فقد كان لإخفاق أول حكومة وطنية عقب الإستقلال وعبر الجمعية التشريعية في رسم معالم دستور أهل السودان، الأثر والدور الأكبر في سلسلة الإخفاقات والخلافات التي توالت عقب فترة أول حكم عسكري بالبلاد العام(1985-1964)، ثم الفترة الحزبية التي يعرفها البعض بالديمقراطية الثالثة (1989-1985)، ثم فترة الإنقاذ التي شهدت أول دستور العام 1998، اجمعت عليه معظم القوى الحية في السياسة السودانية، ثم انفضت من حوله بعد أن اضيفت في مراحل الإجازة كلمة واحدة هي (التوالي) ثم دستور العام 2005 عقب إتفاقية السلام الشامل.. وهو الدستور الذي بين أيدينا. الآن ومنذ أن فاز الرئيس البشير في الانتخابات الرئاسية يستمر السعي حتى اليوم لتحقيق إجماع سياسي حول تشكيل لجنة قومية تمثل كل القوى السياسية السودانية لصياغة دستور دائم لبلادنا، يمثل توافق أهل السودان حول ثوابت وقناعات تكون حكماً وفيصلاً لكيفية إدارة البلاد، ودون وصاية أو هيمنة أو تهميش لثقافة أو قومية أو فئة من فئات الشعب السوداني. أنني أحيل هذا الإخفاق الدائم والمستمر.. وهذه المشكلات والعقبات التي تعتري مسيرة الأمة السودانية إلى الأحزاب السياسية السودانية التي ظلت تتمسك بما تسميه ثوابت عندها، ومناهج عمل ومفاهيم تحولت إلى شعارات.. ويظل كل حزب يتخندق في موقعه مدافعاً عن ثوابته بكل ضراوة، ناسياً أو متناسياً أجندة الوطن وثوابته ومطلوباته.. وحقوق الوطن والمواطن المستقل عن هذه القوالب السياسية أو الحزبية المتجمدة المتخندقة.. فمتى نثور على هذه الخنادق..ونعود إلى عقولنا وانتمائنا للوطن ونعليه على انتماءاتنا الضيقة المتحجرة.. متى ندرك حقوق الوطن لنحفظه من الاعتداءات والأطماع.. متى تكون حركتنا للدفاع عن الوطن وحمايته موقّعاً بدماء جميع أهل السودان.. ومتى يكون لنا إجماع على كلمة سواء، ومتى نعود إلى رشدنا لنجلس إلى بعضنا ونعترف بحقوقنا جميعاً، حيث لا فضل لعربي على أعجمي ولا العكس في الشأن الوطني.. متى نبلغ مرحلة الجسد الواحد إذا اعتلّ منه عضو تداعى له سائر الجسد وتعاضد معه وضمه إلى حضنه.. ومتى يترك بعض أبناء الوطن الخروج عليه وتوجيه اللعنات إليه، وإلى اليوم الذي اوجده على ترابه.. ويسيء إلى كل ما يجمعه بتراب هذا الوطن، يسعى سعياً رخيصاً للعيش على فتات موائد الآخرين.. متى نحترم بلدنا..علمنا.. جواز سفرنا..اسم بلادنا..هذه الأرض الطاهرة، الوفية.. الرضية.. الحنونة التي تعطي بلا منّ وتستقبل الضيوف من كل صوب و حدب.. وتجمع بين مختلف ثقافات الشعوب والأمم والأفراد من القادمين إليها.. كل ذلك يتوقف على قليل من التنازلات من أحزابنا لتكون هناك نقاط تلاقي حول الوطن.. صياغة وأجازة دستور يثبت الحقوق.. ويثبت الواجبات ويفصل في ذلك، ويعرف حتى يكون كل أبناء الشعب على قلب رجل واحد، ويكون الوطن كالجسد الواحد.. أعتقد أن الأوان قد آن كي نبلغ هذه الغاية. فلنسرع لنوحد إرادتنا.. قرارنا.. رؤانا.. وهذا ممكن إن خلصت النوايا، وابتعدنا ونأينا بأنفسنا عن أجندات الآخرين من المستعمرين واللا منتمين.