لن يتوقف سيل الهجرة ونزيفها.. ولن تجدي مشروعات الحلول الوقتية في إقناع الكفاءات المهاجرة بأن هناك أملاً في انصلاح الحال.. أليس من حق أي سوداني أن يهاجر طالما أن كل الأبواب والنوافذ مغلقة ب «الضبة والمفتاح» في وجه كل من ليس له التزام سياسي. لكنه المنطق الأعرج والتفكير الفطير.. والقضية يبدو أنها خرجت من طور عدم الإحساس بالرضاء إلى مرحلة الاحتجاج العلني والصراخ.. فليس من المنطق أن تصطف الكفاءات التي تغذي الدولة بالموارد البشرية وتحتشد أمام بوابات السفارات ونوافذها هرباً من جحيم الوظيفة المستحيلة والأحلام المؤجلة عشماً في أمل قادم. ولكن تأتي الحقيقة المرة بأن رئاسة الجمهورية تسلمت بالأمس على استحياء مذكرة غاضبة تندب حظ أساتذة الجامعات، وتتحدث المذكرة عن واقع قاسٍ تعانيه شريحة الاساتذة بالجامعات، وهذا الواقع أجبر قادة المكتب التنفيذي للاتحاد المهني لأساتذة الجامعات على أن يحمل مظلمته هذه ويضعها على منضدة نائب رئيس الجمهورية الدكتور الحاج آدم، لتطالبه بأن يعمل فكره وسلطاته وقراراته حتى يعيد تشكيل هذا الواقع من جديد، وبالشكل الذي تبتغيه هذه الشريحة، ومن ثم تعيد حساباتها بإغلاق بوابة الهجرة.. ولكن يبقى الأمل والرجاء في أن تفلح الآلية التي تعهد بتشكيلها السيد «النائب» في وضع المعالجات الصحيحة لهذا الداء العضال.. والحقيقة التي يجب الإشارة إليها أن السنوات الأخيرة شهدت ظاهرة هروب جماعي لهذه الشريحة، الأمر الذي كاد يحيل الجامعات السودانية إلى قاعات مفرغة من الكفاءات بسبب تراجع اقتصاديات هذه الجامعات، الشيء الذي جعلها عرضةً لاتهامات وانتقادات بأنها أصبحت مجرد مؤسسات للجباية تعتمد كلياً على عائداتها من رسوم الطلاب.. هذه هي الحقيقة التي يجب أن نفهمها في سياق سياسات وتوجهات الدولة بشأن مكونات العملية التعليمية وصناعتها في السودان. ولسنا هنا في حاجة لشرح استراتيجية الدولة تجاه التعليم العالي من حيث جدواها ومسالبها وإيجابياتها، ولكننا لن ننظر لها بمعزل عن هذه المذكرة التي تطالب الدولة بكل صراحة ووضوح بأن تلتفت لتصحيح كل مسارات التعليم العالي ابتداءً من الطالب والأستاذ الجامعي حتى تتفق مخرجات هذه العملية مع مدخلاتها. وعلى الحكومة أن تبدأ منذ الآن في دراسة واقع الأستاذ الجامعي في سياق هذه المذكرة، على أن تفكر بكامل عقلها وفكرها في إيجاد المعالجات الحاسمة حتى يتوقف نزيف العقول السودانية.