ثمّة أمور كثيرة وملاحظات مهمة تتبدّى لكل مراقب ينظر عن كَثَب للمؤتمر الثامن للحركة الإسلامية السودانية، والأفئدة ما بين مشفق ومطمئن، وما هو بين بين ..!! صحيح... نجح المؤتمر الثامن للحركة في مخاطبة الخارج أكثر منه للداخل، بحضور ضيوفه من قيادات الحركات الإسلامية من شتى بقاع العالم وأصقاعه وتخومه، وجعل الخرطوم تستقطب الاهتمام الإقليمي والدولي، متزامناً مع ما يحدث في قطاع غزة والاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني المجاهد العظيم، وجعل المؤتمر من عاصمتنا الخرطوم بؤرة نشاط سياسي وفكري وتلاقٍ لأفكار وآراء ومحط تنسيق سياسي وتعرُّف على مواقف وتطرّق لقضايا الأمة وتحدياتها، لكنه في ذات الوقت حاول هذا المؤتمر ملامسة قضايا الداخل السوداني وما يتعلق بالحركة الإسلامية وشواغلها، دون أن تتعمق عملية الإصلاح والتغيير برغم كثافة دواعي الإصلاح والتغيير وأسئلتهما الملحاحة والمشروعة. حتى مساء أمس، كان المؤتمر يتقدّم ب «خطوات تنظيم»، ولم تتضح بشكل كامل الرؤية الجديدة المرتقبة لمستقبل الحركة، لا بتصوراتها الكلية ولا بشخوصها، وتلك كانت أحلام بالتجديد وإعادة دور الحركة وفاعليتها، فذات النجاح الذي تم في مخاطبة الخارج، نجح لكن في اتجاه معاكس في لجم خطوات التجديد وظهور الإجابات الشافية للأسئلة التي تضجُّ في العقول وتضطرم في قلوب عضوية الحركة الذين ينتظرون في المؤتمر ما ظلوا ينتظرونه. دستور الحركة الجديد، أجيز وفي النفوس شيء من حتى، حدثت فيه خلافات شتى، والمقترحات المقدمة فيه وجدت نقاشاً واعتراضات حُسم الكثير منها بالتصويت عليها، وحاول البعض كتم رأيه الشخصي خوفاً من أن يفهم منه على أنه ضرب من توسيع خرق الخلاف.. فآثر بدل الخرق رتقه، وتلك في ظاهرها محمدة على المستوى القريب لكنها ليست كذلك في مستواها الأبعد. من الناحية الشكلانية ودقة التنظيم والضبط العام، تميز هذا المؤتمر حتى يوم أمس بصرامة تنظيمية وتأمينية عالية، لكنها لم تكن لتتناسب مع المقدم فيه من أفكار جريئة قد تفتح مشكاة على أفق جديد، ولعل تحدياً يواجه الحركة الإسلامية، في دستورها لعام 2012م، الذي كان يحتاج لنقاشات أطول وأكثر صراحة وعمقاً ونظراً وتدقيقاً من الذي جرى، وغُلِّبت فيما يبدو اعتبارات كثيرة على الصراحة والعمق والنظر والتدقيق، وحُسمت الأمور بضربة واحدة لم تقبل فيها أي مقاربة من القاعدة الفقهية المعروفة «ما لا يدرك كله لا يترك جله» فجاء التدخل الموجه، أن يؤخذ جملة واحدة دون تبعيض أو تجزئة!! وتلك نكسة في الممارسة الشورية وعقبة في طريق التجديد والإصلاح ..! كثير من القضايا الداخلية المتعلقة بالحركة سُترت بالصمت، وكثير من مشكلات الداخل الوطني ضمرت أو تركت في تزاحم الهواجس والقلق والتكتم، فغدا المؤتمر وكأنه محاولة للقفز فوق القضايا الرئيسة، وترك الشأن السياسي وتعقيداته والعمل التنفيذي وتقييداته، دون أن يكون للحركة فيه رأي نافذ ونقد واجب وحساب يعتمد..! لعل الجميع يشعر أن سانحة حقيقية لاحت وفرصة ثمينة أطلّت، من أجل مراجعات شاملة وتحولات كبيرة ومفصلية في مسيرة الحركة الإسلامية، وحتى لا تتلاشى هذه الفرصة كخيوط الدخان، فهناك ما يمكن فعله ولم يزل، في سبيل إدراك ما يستطاع إدراكه.. وليس بالضرورة أن يكون من خلال المؤتمر الذي يوشك قمرُه على الزماع اليوم، لكن في مقبل الأيام القادمة إن كانت هناك إرادة حقيقية وجادة في تفعيل دور الحركة الإسلامية والخروج بها من حضن السلطة لسوح العمل المفتوح والكسب المتاح.. يمكن تقييم المؤتمر حتى لحظة كتابة هذه السطور، أنه لم يجب عن الأسئلة الصعبة واكتفى بالسهل، فسهل العلا في السهل والصعب في الصعب، ولابد دون الشهد من إبر النحل .! --- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.