باريس تعربد اليوم في حدائقها الخلفية!. حيث لا تزال فرنسا تعتبر أن دول شمال أفريقيا وغرب أفريقيا ووسط أفريقيا، هي حديقتها الخلفية بثرواتها الطبيعية ومواردها البشرية. فقد كان لديها من مستعمراتها الأفريقية (225) ألف جندي أفريقي يقاتلون ضمن القوات المسلحة الفرنسية. حيث قتِل (25) ألف جندي أفريقي في ميادين العمليّات الأوربية دفاعاً عن فرنسا. ومازال الفرنسيّون يحتلّون في الدول الأفريقية أكثر من (1500) منصب في القوات المسلحة بتلك الدول. وذلك في مناصب قيادية في القواعد العسكرية الجوية والبحرية، وغيرها. في الستينات كان الوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا يبلغ (77) ألف جندي يضاف إليهم (7) ألف من العاملين المدنيين في خدمتهم. على تلك الخلفيات اليوم أطلقت فرنسا نداءها الآمر للدول الأفريقية التي تدور في فلكها، لإرسال جيوشها إلى مالي لتقاتل الإسلاميين، بالوكالة عنها ودفاعاً عن مصالحها. وقد استجاب لنداء فرنسا بقتال الإسلاميين عدد من الدول. وذلك في استجابات متفاوتة، من بوركينا فاسو و(بنين) إلى السّنغال وتوجو ونيجيريا. التنظيمات الإسلامية الناشطة في مالي، ويستهدف الغزو الفرنسي استئصالها هي تنظيم (القاعدة) في بلاد المغرب التي يُرمز لها اختصاراً ب (AQIM)(أقِمْ). وهو التنظيم الذي حلّ محلّ (الجماعة السلفية للدعوة والجهاد) المنبثقة عن الجماعة الإسلامية الجزائرية، والتي بدورها نتجت عن الحرب الأهلية الجزائرية. ويتميَّز مقاتلو (أقِمْ) بالخبرة القتالية العالية ودقة التنظيم وحرارة التعبئة والتصميم والأداء العسكري الممتاز. وقد تلقى بعضهم تدريباته العسكرية في أفغانستان. وهناك تنظيم (أنصار الدين) الذي لا يطالب بانفصال شمال مالي، مثلما تطالب جبهة تحرير (أزواد)، بل يطالب بإقامة الشريعة في أرجاء مالي. ولذلك تمَّ حظر الخمر والتدخين. كما تمَّ توجيه النساء بارتداء الزي المحتشم، بمجرد السيطرة على شمال مالي. قائد تنظيم أنصار الدين هو (إياد آغ غالي) وهو من نبلاء الطوارق، وقد ظلّ شوكةً في خاصرة حكومة باماكو، ويتبع أتباعه مذهب الإمام محمد بن عبدالوهاب. أيضاً هناك ضمن التنظيمات الناشطة في مالي (حركة تحرير أزواد) التي أُسِِّست عام 2011م بواسطة الناشطون الطوارق، بعد أن قتِل زعيمهم (إبراهيم آغ باهانقا) في (حادث سيارة). جبهة تحرير (أزواد) هي تحالف مجموعات صغيرة، ويتزعمها (محمد آغ نجم) وهو من طوارق مالي، وقد عمل ضابطاً كبيراً في الجيش الليبي خلال عهد القذافي وذلك حتى سقوطه. تطالب جبهة تحرير (أزواد) باستقلال الطوارق في شمال مالي، وإقامة دولتهم في أرض شمال وطنهم ، التي يسمُّونها (أزواد). مالي التي تُعتبر الدولة الثالثة في أفريقيا في إنتاج الذهب، هي إحدى أفقر دول العالم، حيث يعيش (77%) من السكان تحت خط الفقر. وحيث (78%) من الماليين يعيشون في الريف، حيث العائلات التي ترأسها نساء هي أكثر فقراً من العائلات التي يرأسها رجال. ويكشف حقيقة فقر دول الساحل والصحراء، حيث تقع مالي في قلب تلك المنظومة، أن العدد الكبير من المهاجرين اقتصادياً إلى السودان، من ذوي الحاجة الماسَّة، هم أولئك القادمون من غرب أفريقيا ودول الساحل والصحراء، مِمِّن بعثرتهم المتربة والمسغبة والخصاصة في شوارع ومساجد وأسواق السودان، يلتمسون المرحمة. وذلك بعد أن امتصت فرنسا الدماء ودمرت الإقتصاد تدميراً ونهبت الثروات نهباً مسلَّحاً وغير مسلَّح، وفرضت حكَّاماً عملاء فاسدين. وفي شمال مالي حيث الطوارق، يوجد الدرك الأسفل من الفقر والبؤس والتهميش، واختلال التنمية والخدمات لصالح جنوب مالي. ومع ذلك ترتكب مليشيات النظام العسكري المالي العميل المذابح ضد الطوارق، وتقوم بتسميم آبارهم وإجبارهم على النزوح وحياة المنفى. في ذلك السياق لا تزال فرنسا تحنّ إلى مجدها الإستعماري الغابر في مالي ودول الساحل والصحراء وغرب أفريقيا. لاتزال تحنّ إلى إمبراطوريتها عندما كانت تسمِّي قطراً من الأقطار باسم أحد ضباطها (تشاد)، وتسمِّي عاصمة باسم أحد ضباطها (فورت لامي). لاتزال فرنسا تحنّ إلى تنصير أطفال المسلمين، مثلما فعلت ب (ليوبولد سنغور) رئيس السنغال، والذي كان والده (عبدالغفور سنغور) شيخ خلوة للقرآن. لاتزال فرنسا تحنّ إلى أنهار الدماء يسفحها الأفارقة من أجل مصالحها وأمنها القومي. لاتزال فرنسا تحنّ إلى إبادة الوطنيين الأفارقة، كما أبادت أجدادهم في معارك الإستقلال ورمت بهم في (الزِّفت) الذي يغلي، كما فعلت بجدّ الرئيس (أحمد سيكوتوري) في غينيا.