عقبات فكرية تواجه دعاة الدولة الإسلامية، ذلك لأن الدولة فى الإسلام تختلف اختلافاً جذرياً عن الدولة التى تركها المستعمِر قبل أن يخرج من بلادنا، هذه العقبات تقصر عن مواجهتها نفوس منهزمة أصبحت تنافس العلمانيين في الانفتاح، تلك النفوس الليبرالية التى ظلت ترفع شعار الإسلام هو الحل قد تمخض جبل مشروعها السياسي فولد فأر الدولة العلمانية نفسها فى تونس ومصر وطرابلس وقبل ذلك الخرطوم، يمكننى تلخيص هذه العقبات الفكرية فى ثلاث مستعرضاً كيف أجاب ميثاق الفجر الإسلامي عليها، هذا الميثاق الذى أصدرته جبهة الدسور الإسلامي لن أكون مبالغاً إن قلت هو أفضل وأجرأ أطروحة فكرية ووثيقة سياسية لإقامة دولة إسلامية وإحداث إصلاح سياسي ودستورى فى الدولة المعاصرة، إذ أجاب عن أسئلة التحديات الفكرية لإقامة الدولة الإسلامية بوضوح وعمق والعقبات والأسئلة هى: 1/ مشروعية الدستور الإسلامي شرعية أم شعبية؟! : هل يمكن عرض الدستور الإسلامي على الشعب ليقبله أو يرفضه وهل تستمد أحكام الله تعالى مشروعيتها فى العمل وقدرتها على النفاذ ودستورية إلزاميتها بعد موافقة الشعب عليها وتصويته لصالحها وقد أجاب ميثاق الفجر الإسلامي عن هذه المسألة بوضوح إذ جاء فيه «2/ إقرار دستور إسلامى يتخذ من نصوص الوحى مصدراً للقوانين والنظم والتشريعات والقيم ولما كان أمر الدستور الإسلامي ملتبساً على كثير من دعاته دعك من المناوئين له فعلى وجه الدقة والتفصيل لا بد من بيان الآتى: 1/ أن يتخذ الدستور من الكتاب والسنة مصدراً للتشريع. 2/ أن يقر الدستور أن أي قوانين أو تشريعات تخالف الشريعة الإسلامية من القوانين والتشريعات المعمول بها الآن أو لاحقاً فهى باطلة. 3/ أن يقرر أن هذا الأمر غير قابل للاستفتاء الشعبي ولا محلاً للرأى إذ لا رأى واجتهاد فى ما فيه نص وهو من المعلوم من الدين بالضرورة». ويجب التفريق بين الدستور فى جوانبه الشرعية القائمة على الحكم الشرعى المبنى على دليل من كتاب أو سنة فهذه أمور ليس لمؤمن فيها خيار وإنما تقوم على البحث الشرعى فما صح دليله وجب لزومه وعدم تعديه «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا». وبين مسائل إدارية إجرائية يمكن استفتاء الشعب فيها وأخذ رأيه فيها والتفريق هذا يجعلنا لا نضع الدستور كله فى سلة واحدة والدستور بالأساس يوضع للتعبير عن هوية الدولة أي لبيان ثوابتها المفاهيمية وهذا يعنى أن أغلبه ليس إجرائياً إداريًا بل يُترك ذلك للوائح المنظمة ولكن إن افترضنا وجود مسائل ذات طبيعة إجرائية فلا مانع من استفتاء الشعب عليها وبهذا التفريق نعالج التخليط الذى أراد أن يثيره العلمانيون ولو قرأوا الميثاق جيدًا لوجدوه قد نص على أن منعه من الاستفتاء فى المعلوم من الدين بالضرورة والاحكام التى مردها الى النصوص الشرعية لا رأي الأكثرية. والبعض يقول لا مانع من الاستفتاء مطلقاً طالما أننا نضمن أن شعباً مسلماً محباً للدين سيصوت لصالح الدستور الإسلامي!!، قلت: إن الموقف من استفتاء الشعب على الشرع يريده أم يرفضه؟! هو ممنوع من حيث المبدئية لا المآلية، فنحن نرفضه من حيث المبدأ وليس خوفًا من المنتهى والمآل، دونك أي طالب بكلية القانون وان أردتم فأسالوا خبيرًا دستوريًا إن كان الشرع يأخذ دستورية العمل به من تصويت الشعب عليه هل يبقى لقولنا فى الدستور الإسلامي الحاكمية لله أي معنى بل إن الحاكمية والسيادة عندئذ للشعب لا للرب إن كان شرع الرب يأخذ الإذن من الشعب ليعمل!! فمصطلح السيادة فى الفقه الدستوري يعنى السلطة التى لا سلطة فوقها ولا سلطة لها حق التعقيب عليها ولا نعرف هذا فى الإسلام إن كنا عنه نصدر إلا لربنا الديان عز فى علاه «والله يحكم لا معقب لحكمه». 2/ السؤال الثاني هل تتساوى الحقوق والواجبات على أساس المواطنة فيتساوى فى دولة يحكمها دستور إسلامي مؤمن وكافر بما يمكِّن الكافر ويعطيه الحق فى تولى أي منصب بما فى ذلك رئاسة الدولة أم أن دولة الإسلام تقوم فيها الحقوق على أساس المواطنة لكنها لا تتساوى على ذات الأساس فللكافر حقوق وعليه واجبات لكنها ليست بالضرورة تتساوى مع حقوق المسلم وواجباته، وقد أجاب ميثاق الفجر الإسلامي عن هذه المسألة بعمق ووضوح فجاء فى توصيفه للأزمة «1/ قيام الحقوق والواجبات على أساس المواطنة وهى العلمانية بعينها فى ثوب مخادع قليل من يتفطن له ويدرك خطورته على هوية الدولة ذلك أن التنوع المزعوم المراد به تفكيك مركزية الحضارة الإسلامية فى الدولة فصراع المركز والهامش الذى دشنته اتفاقية نيفاشا وشرعنت له فى دستور «2005» فى خطوة عجولة لإيجاد حل لأزمة متطاولة وتحت سيف الضغوط الخارجية هو فى حقيقته صراع بين الحضارة المركزية والحضارات الهامشية فى السودان التى استطاع الاسلام أن يكون بديلاً لها بالدعوة والحوار إذ لم يدخل الاسلام الى السودان بالقوة ابتداء وقضية المواطنة فى اطار السودانوية كهوية جديدة مستحدثة وكأساس لعقد اجتماعى هى خطوة أولى فى طريق إقامة مشروع السودان الجديد وتغييب الدين عن أوجه الحياة، والانقاذ يعترف قائد سفينتها أن البلاد تحكم بدستور مدغمس!!». وفى بنود الميثاق وأطروحته « 5/ أن يقرر الدستور فى مسألة الحقوق والواجبات والحريات تقريراً واضحاً لا مدوارة فيه ولا مداهنة أن ذلك كله وفق أحكام الشريعة لا وفق المواثيق الدولية فلا يعطى إنسان حقاً لم يعطه له الشرع ولا يمنع من حق منحه له الشرع الحنيف.» ثم زاد المسألة بياناً «6/ انصاف بنى الوطن من غير المسلمين وفقًا لأحكام الشريعة من غير مزايدة فى الحقوق جريًا وراء المحاكات اللفظية للغرب فى باب حقوق الانسان ولا اغفال للواجبات فلم تمنعهم الشريعة مما هو خير لهم ولم توجب عليهم ما فيه إضرار بهم فالعدل فى شريعة الله أكمل والحقوق فى شريعة الله مصونة بأحكم سياج وأبرك ثمار. » 3/ السؤال والتحدي الثالث: هل يسمح الدستور الإسلامي لأحزاب علمانية بالعمل السياسي بل هل يسمح دستور فى الدنيا لكيانات وأحزاب تعمل على تقويضه بالعمل؟! ، هذه المسألة التى يتحرج الإسلاميون منها ويطرحون طرحًا لا يسنده شرع أجاب عنها ميثاق الفجر الإسلامي بوضوح شديد « 4/ حرمة قيام أي أحزاب أو هيئات يقوم فكرها السياسي ونظامها الأساسي على تقويض الدستور الإسلامي وإلغائه إذ لا يسمح أي دستور محترم بقيام كيانات تعمل على تقويضه» وهذه المسألة رغم بديهيتها شرعياً وواقعيتها سياسياً إذ تعمل بها كل بلدان الدنيا إلا أن بعض الإسلاميين يغالطون فى إقرارها فإذا كان الدستور الإسلامي يمنع فتح بار لشرب الخمر وهذا معصية فكيف يسمح بفتح مكتب لجهة تدعو لجعل فتح البارات مباحًا وقانونياً وهذا كفر؟!!. وسأتناول هذه المسألة بشيء من التفصيل فى الحلقة الثانية. هذه هى الأسئلة الكبرى والتحديات الفكرية والعقبات التى إن لم يتجاوزها الإسلاميون بوضوح وصراحة وتسليم لدينهم بعيداً عن المحاباة والمجاملة فستنتهي مشروعاتهم إلى دستور علماني ودولة لا صلة لها بالإسلام والتحدي الفكري هو التحدي الحقيقي وميثاق الفجر الإسلامي الوثيقة السياسية التى طرحت طرحاً واضحاً فى ميحط إقليمي وصل فيه الإسلاميون الى الحكم لكنهم أقاموا أنظمة لم تختلف كثيرًا عن تلك التى كانت قائمة من ناحية دستورية!!. وأنا أدعو للحوار الفكري العميق فى هذه التحديات الفكرية و ما طرحه ميثاق الفجر الإسلامي فى الإجابة عنها.