تحدثت عن تمويل سد النهضة بأنه كما أعلنت إثيوبيا تمويلاً ذاتياً، وهذا التمويل يشارك فيه ملايين الإثيوبيين الذين يعملون بالسودان في شكل عمالة غير ماهرة تستنزف الأموال من اقتصاد مريض وتحول إلى إثيوبيا!! وفي هذا الصدد بعث لي الخبير الاقتصادي الكبير البروفيسور عصام عبد الوهاب بوب بمقالة للسيد الهادي هباني جاء فيها: إن ارتفاع الدولار اليوم يعود في المقام الأول لأسباب هيكلية يعانيها اقتصاد البلاد، إلا أن ارتفاع الدولار اليوم لم يأتِ في تقديرنا لقرار الرئيس بقفل أنابيب البترول أمام نفط الجنوب فقط إنما نتيجة لفتح السفارة الإثيوبية للسودانيين الإثيوبيين المقيمين بالسودان باب الاكتتاب في سندات سد النهضة المطروحة من قبل شركة الكهرباء والطاقة الإثيوبية، وقد وجد هذا الاكتتاب إقبالاً كبيراً وقد وصل كما ورد في الأخبار إلى مئات الآلاف من الدولارات في اليوم!! السوق الأسود هو من يتحكم في سعر الدولار ويقوم بتوفير ما يزيد من أربعة مليار دولار من العجز في النقد الأجنبي لدى البنك المركزي، فالذي يكتتب في هذه السندات سيتوجه حتمًا لتلك السوق لتوفير العملة الأجنبية لشح العملة في المصارف والصرافات!! تم فتح الاكتتاب لغير الإثيوبيين ويشمل ذلك السودانيين الذين سيمنحون بعض الامتيازات التي صرح بها وزير الإعلام «رغم أن تفاصيلها لم تعلن بعد» وهذا من أهم الأسباب وراء موقف الحكومة من السد وتأييدها لإثيوبيا، وقد شجع هذا الموقف الإقبال الكبير للاكتتاب من قبل التجار الذين يدمرون اقتصاد البلاد، وهي سندات محرمة شرعاً، ولا يستبعد أن تكتتب البنوك التجارية في هذه السندات وذلك للميزات الاقتصادية التي تمتاز بها هذه السندات وتلخص في الآتي: آجال السند مقسمة إلى ثلاثة أنواع خمس سنوات، والثاني ست إلى سبع سنوات والثالث ثماني إلى عشرة سنوات!! العائد يتراوح ما بين ليبر«Labor» +1.25%«4%» للسند أجل 5 سنوات ليبر+1.5%«4.5%» للسند أجل 7 سنوات ليبر + 2% «5%» للسند أجل 10 سنوات هذا العائد أعلى من العائد على الودائع الثابتة وحسابات التوفير لدى البنوك الإثيوبية. يتم توزيع كوبون «عائد» نصف سنوي لحملة السندات علماً بأنه عند طرح السند كان الكوبون سنوي ولكن نسبة لقلة الإقبال حينها تم تعديله لعائد نصف سنوي. قيمة السند «50» دولارًا أو ما يعادلها من العملات الأخرى، وهو معفي إعفاءً كاملاً من الضرائب قابل للبيع والتوريث، وبموجبه يمكن الحصول على تمويل من البنوك الإثيوبية، ويتمتع بضمانة الحكومة الإثيوبية «100%»!! يتم الاكتتاب عن طريق البنك التجاري الإثيوبي وبنك التنمية الإثيوبي وكان ذلك قاصراً على الإثيوبيين في الداخل والخارج وحملة الجنسيات المزدوجة إلا أن حصيلة الاكتتاب لم توفر قيمة الاكتتاب المطروحة فتم فتحه للأجانب ويتزامن ذلك حسبما جاء في موقع MSN العربية بتاريخ «28 مارس2013» مع معاناة البنك التجاري الإثيوبي من عجز في توفير العملات الصعبة تلبية لاحتياجات الاقتصاد الوطني الإثيوبي رغم نفي السيد محمد نور الدين نائب رئيس البنك والسيد إسحق مينجيشا مدير إدارة تنمية المشروعات بالبنك في مؤتمر صحفي عُقد في أديس أبابا في نفس التاريخ. من المتوقع أن يبدأ السد بإنتاج «5200» ميقاوات وتصل إلى «10000» ميقاوات وأن عام «2017» حسبما ورد عن «Economist Intelligence Unit» في موقع «Energy Realities» بتاريخ «24 أكتوبر 2011» وعلى الرغم من أن البنك التجاري الإثيوبي وبنك التنمية يسمحان بسداد قيمة الاكتتاب نقداً إلا أنه من المفترض على بنك السودان منع الاكتتاب بهذه الطريقة وحصره على التحويل البنكي أو الشيك المعتمد المسحوب على أحد البنوك المرخص لها في السودان والزام السفارة الإثيوبية وذلك منعاً لعمليات غسيل الأموال والحد من ارتفاع الدولار. على هذا انتهت الرسالة التي تحمل في طياتها أموراً غاية في الخطورة على الاقتصاد السوداني الذي هو أصلاً مريض، ارتفاع أسعار الدولار هذه المرة على الأقل لن يكون بسبب قفل أنبوب النفط على بترول الجنوب، فالبترول الذي يتم تصديره عن طريق شركة النيل الكبرى لا يتعدى الستين ألف برميل يومياً وهذه الكمية تضم بترول السودان وجنوب السودان، أما الكميات الأساسية لبترول الجنوب فهي تصدر عن طريق بترودار وهي تفوق المئتي ألف برميل فهذه تم قفلها بواسطة حكومة الجنوب، ولا أعتقد أن هناك اقتصادًا لأي بلد كان يمكن أن يبنى على مرور ثلاثمائة ألف برميل عبر أراضيها!! هناك عناصر داخل الدولة تساند هذا المشروع الذي منذ بدايته رغم أنه ومنذ البداية بدأ بارتفاع سعر الدولار ليزيد الشعب السوداني رهقاً على رهق وهذه أكبر فرصة لتحويل السودان إلى مغسلة كبرى للأموال بالطريقة التي يتعامل بها البنك المركزي بتركه السفارة الإثيوبية ممارسة عملية بيع السندات نقداً ودون تدخل البنوك التجارية، الأمر الذي يجعل من الدولار سلعة في حد ذاته ترتفع قيمتها حسب الطلب الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على المواطن ومعيشته!! شعور غريب ينتابني هذه الأيام وهو أن السودانيين بفضل سياسات النظام الحاكم الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية قد أصابهم اليأس، فأصبحوا لا يهتمون بما يحيق به من خطر ونتيجة لذلك خبأ الحس الوطني والانتماء لدى الكثيرين. وإدارة الأزمة بالطرق العسكرية تحتاج أول ما تحتاج لاقتصاد قوي وهذا ما يفتقده النظام فالعملة السودانية بعد كل قرار سياسي تُرذل وتغوص في الهوة التي لا قرار لها.. إن ضاع السودان «لا قدر الله» فلن يحاكمنا مجلس الأمن ولا أممه المتحدة إنما سنقف جميعاً أمام أكبر محكمة وهي محكمة العدل الإلهية والتي سنقف عاجزين تماماً أمامها بعد أول وآخر سؤال فيمَ كنتم؟!!