من الواضح أن سير الحوار بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال في ظل ما نشهده من تباعد في المواقف التفاوضية يقود إلى دائرة مفرغة، والشاهد أن مجمل التصريحات المتبادلة ظلت تعزز من فرضية حدوث انهيارات متوالية لجولات التفاوض مع تكرار الاعتداءات من قبل المتمردين بما يقود إلى لهجة حادة من قيادات الدولة بقطع الحوار مع قطاع الشمال واتهامات صريحة لحكومة الجنوب بدعم وإيواء حركات التمرد ودفعها إلى رفع سقف المطالبات التفاوضية فضلاً عن عدم تنفيذ حكومة الجنوب إلى ما تم التوصل إليه بفك الارتباط مع قطاع الشمال، ويرى مراقبون أنه أمر مشكوك بتحققه في هذا التوقيت، وحتى في حال تحققه قد يعقد مسار البحث عن حلول كلية للقضايا المطروحة باعتبار أن فك الارتباط سيضيع فرصة لحل شامل مع فصائل الثورية التي يقودها مالك عقار، خاصة إن كان الحوار في إطار قومي، وبحسب مراقبين سياسيين فإنها أي عملية فك الارتباط شائكة لا يمكن اعتمادها بمجرد خطاب من حكومة الجنوب، أو أخذها بدون ضوابط عملية تضمن تفعيلها أو استدامتها أي أن إصرار قطاع الشمال نفسه على هذا الارتباط، يطرح استفهامات كبرى حول المستقبل وضمانات الحل النهائي للأزمة القائمة بين القطاع والمؤتمر الوطني من جهة، وبين حكومة الشمال وحكومة الجنوب من جهة أخرى. فالاتفاقيات الأخيرة في أديس أبابا تحتاج إلى اختبار زمني لتأكيد صدقية طرفيها، ومن ثم تستوجب الاحتفاظ بكروت الضغط المهمة لدى كل طرف إلى أن يثبت التزامه بما هو متفق عليه. ومن هذه الناحية لا يمكن أن تضحي حكومة الجنوب بهذه السهولة بقطاع الشمال باعتباره ورقة ضغط يمكن استخدامها وقت الحاجة إلى تصعيد مع الشمال، ولا يمكن لقطاع الشمال أن يفك ارتباطه التاريخي بالحركة الأم كيما يقع فريسة للمؤتمر الوطني. فالانفكاك من الجنوب أمر ليس بهذه البساطة لا لقطاع الشمال ولا لحكومة الجنوب نفسها. ضغوط دولية من الواضح أن هذا التفاوض يواجه بمشكلات جوهرية تتعلق بجميع الأطراف المرتبطة به فكلا الطرفين يذهب إلى الجلوس للتفاوض ليس عن قناعة ذاتية حقيقية بالآليات السلمية بوصفها وسيلة فاعلة في حسم النزاع والصراع وإنهاء الاقتتال، بل إن هناك مؤثرات خارجية إقليمية ودولية باتت تتحكم في سير التفاوض ولها أي هذه المؤثرات اهتمام وصلة مباشرة بالشأن السوداني الداخلي، وهذا يجعل كل ما يمكن أن يفضي إليه هذا التفاوض، عرضة للانتكاس في أية لحظة على شاكلة سوابقه من الاتفاقيات التي تمت تحت ضغوط خارجية ولم تنبع عن إرادة ذاتية، ويبدو أن الولاياتالمتحدة من القوى المؤثرة قد أفلحت في إجبار الخرطوم على مفاوضة قطاع الشمال، كما أكد مدير الإدارة السياسية بالقصر الجمهوري عبد الوهاب الصاوي في تصريحات سابقة أن الحكومة تعرضت لضغوط شديدة لإجراء مباحثات مع قطاع الشمال. في ظل استمرار التصعيد العسكري وإيقاف التفاوض الذي كان يتوقع أن تستأنف جولته وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي (2046) الذي بات يمثل بعبعًا يخوف به مجلس الأمن الحكومة وإجبارها على الجلوس للتفاوض مع قطاع الشمال، الذي جاء في نصه على أن يقوم (السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان/ قطاع الشمال) بالتعاون الكامل مع الفريق رفيع المستوى التابع للاتحاد الإفريقي، ومع رئيس منظمة الإيقاد من أجل التوصل إلى تسوية للحرب في المنطقتين عبر المفاوضات على أساس إطار عمل اتفاق 28 يونيو 2011م المعروف ب (نافع وعقار) حول (الشراكة السياسية والتدابير الأمنية والسياسية) في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وأن يقبل (السودان بالمقترح الثلاثي الذي قدّمه الاتحاد الإفريقي والأممالمتحدة وجامعة الدول العربية للسماح بدخول الإغاثة الإنسانية للمناطق المتأثرة في المنطقتين)، كما أن القرار الأممي ذاته قد أقرّ عقوبات دولية بموجب المادة (41) من ميثاق الأممالمتحدة، ولكنها معنية بها دولتا (السودان وجنوب السودان) وليس في حالة (السودان مع الحركة الشعبية/ قطاع الشمال) وتطبق في حالة عدم امتثال أي من الطرفين (السودان أو حكومة السودان أو كلاهما) للقرار الأممي (2046)، مع تشدّده على ضرورة الحاجة إلى العودة إلى سلام شامل وعادل ودائم بين (السودان وجنوب السودان) بحسب الخبير الإستراتيجي اللواء محمد العباس في تصريحات سابقة بأن الضغوط الخارجية خاصة مما يترتب على عدم الحوار إلى جانب أن هناك تحولاً في موازين القوة داخل الجيش الشعبي ليس في صالح دولة الجنوب وإنما في واقع قوات الحركة، وأشار إلى التحوّل في عملية التدريب والتأهيل الذي يمر به الجيش الشعبي ولذلك يرى أن التفاوض مع قطاع الشمال من زاوية النظرة الإستراتيجية للأوضاع على الأرض ويرى أن من الحكمة مفاوضة الذين يديرون حرب عصابات سياسيًا إذا كان ذلك ممكنًا بدلاً من الحسم العسكري الذي يتوق إليه أي عسكري ويؤكد أن الحوار يجب أن يتم وفق نظرة إستراتيجية وواقعية، ويتخوّف البعض من فتح الحوار دون النظر إلى كل الأبعاد السياسية والإستراتيجية مع قطاع الشمال خاصة أن البعض يضع البُعد الإقليمي والدولي للقطاع في الحوار. مخاوف من تقسيم السودان فيما أكد عضو القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني د. ربيع عبد العاطي أن الإنقاذ منذ مجيئها ظلت تواجه صنوفاً من التحدّيات والمؤامرات من الداخل والخارج بغرض النيل من السودان وتدمير ثرواته وطمس هويته بجانب العمل على زعزعة الأمن والاستقرار ووضع المعوقات أمام الوصول إلى سلام حقيقي في البلاد، مطالباً بضرورة الانتباه إلى تلك المخططات والمؤامرات وحسمها، ودعا كافة فئات المجتمع والأحزاب السياسية للتصدي لتلك المخططات للمحافظة على وحدة الوطن لأن القضية لسيت قضية حزب وإنما وطن وشعب، وأشار عبد العاطي إلى أن إثارة الأزمات والمهددات الأمنية والاقتصادية الغرض منها ليس إسقاط النظام وإنما تفتيت السودان وتقسيمه إلى دويلات عبر مخطط تنفذه الجبهة الثورية في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، وهاجم عبد العاطي المعارضة والجبهة والثورية بشدة لتآمرها على الوطن وأعمالها التي وصفها بالسيئة، ولفت عبد العاطي إلى أن الحوار والتفاوض مع قطاع الشمال والجبهة الثورية (خدعة) عظيمة جداً، مشيراً إلى ضرورة تقييم وتقويم مسار التفاوض. على كل فإن قضية التفاوض مع قطاع الشمال لا يمكن عزلها من أبعادها الداخلية والخارجية من خلال التصريحات الأخيرة مع تباين المواقف حولها والتراجع عنها نتيجة ما ذهبنا إليه ولكن لا يمكن أن نغفل حديث السفير البريطاني في جوبا الذي قال في تصريحات سابقة إن الاتفاق الذي وقع بين السودان ودولة الجنوب لا معنى له إذا لم تحل قضية المنطقتين باعتبارهما مهددات للاتفاقية، ويبدو أن الحكومة باتت أمام خيارات صعبة تجاه الحوار مع قطاع الشمال ما بين كونه خدعة ويقود إلى تقسيم البلاد يجب التعامل معه وفق رؤية محددة وهذه تدخلها في محظور مجلس الأمن بالقرار 2046 وفي ظل هذا الشد والجذب أعلنت الحكومة موافقتها على الحوار من خلال ما أكدته مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، فاليري آموس، عن محادثات بين حكومة السودان ومتمردي الحركة الشعبية قطاع الشمال بأديس أبابا، نهاية الشهر الجاري، لبحث مسائل المساعدات الإنسانية بما في ذلك إنجاح حملة تطعيم ضد شلل الأطفال في النيل الأزرق وجنوب كردفان، وقالت آموس في تصريحات صحافية عقب تقديم تنوير لمجلس الأمن حول زيارتها الأخيرة للسودان في مايو الماضي، إن الحكومة السودانية أبلغتها استعدادها وموافقتها بإدخال مساعدات إنسانية من مناطقها للمناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية قطاع الشمال، بينما طالبت الأخيرة بعبور المساعدات عبر الحدود، وأضافت أنها تأمل أن تبدأ محادثات بين الطرفين بنهاية الشهر الجاري بأديس أبابا على الأقل في المسائل الإنسانية وحملة التطعيم ضد شلل الأطفال، مؤكدة أنها تنتظر رد حكومة السودان على ذلك بعد أن أعلن الطرف الآخر موافقته.