من بين يدي الانشغالات الكثيفة التي تزحم المشهد السياسي والواقع الاقتصادي الذي لا تحسد عليه البلاد وهاجس التشكيل الوزاري الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى وحالة الفوران التي تتنازع الأحزاب السياسية وتتالي أنباء المعارك بين الجيش والحركات المتمردة وأنباء عن جولة تفاوضية جديدة طفا على جنبات هذا الواقع المأزوم خبر عن اتجاه المجلس الوطني لاستدعاء وزير الإعلام أحمد بلال عثمان في مسألة مستعجلة تقدم بها النائب دفع الله حسب الرسول لاستفساره عن الأسباب والدوافع التي جعلت الوزارة تصادق على حفل فرقة «يس أكاديمي سودان» الراقص بقاعة الصداقة بالخرطوم في السبت الفائت، كما أصدر حزب التحرير بيانًا للصحف أدان فيه مسلك وزارة الإعلام مما حدا بالوزارة إلى إصدار بيان نفت فيه حضور الوزير بلال الاحتفال، وأشارت إلى أنه كان في مهمة خارج البلاد، وأكدت أن التظاهرة لم تكن للرقص بل كانت للمسرح والموسيقا والدراما، وأضافت أن الرقص المشار إليه لم يكن خليعًا إنما رقص تعبيري كرقصة الحرب والحصاد وهي جميعها رقصات تعبيرية. يبدو أن الحفل الذي تم الترويج له مسبقًا لم يجد حظه من الذيوع الإعلامي الإ عقب الهجوم الذي صوبه ضده إمام وخطيب الجامع الكبير كمال رزق في خطبة الجمعة الماضية بمطالبته بإقالة وزير الإعلام من منصبه لأن وزارته سمحت بتدريب الشباب السوداني على الرقص، ودعا لمحاكمة الوزير بتهمة الخيانة... في الواقع ليست هذه هي الحادثة الأولى من نوعها التي تُطرح في البرلمان ويتعرض لها أئمة المساجد فقد حدث للنائب حسب الرسول نفسه أن جاء للبرلمان محملاً ب «بوستر» صورة الفنانة المصرية شيرين التي كان من المنتظر أن تشارك في حفل تعاقدت لإقامته بالخرطوم إبان أزمة هجليج، وتساءل عن المشروعية الأخلاقية لهذا العمل، وقال إن مجيء هذه المصرية للغناء في الوقت الذي تستعد فيه القوات النظامية لاستعادة هجليج التي احتلتها دولة الجنوب آنذاك طعنة في ظهور المقاتلين، وبالفعل تم إلغاء الحفل كما أن مهرجان السياحة السنوي الذي يقام في ولاية البحر الأحمر سنويًا وجد انتقادًا من قبل طائفة من أئمة المساجد هناك والمواطنين أيضًا لاشتماله على بعض المظاهر غير المقبولة. وفي دولة المشروع الحضاري ينتقد العامة والخاصة أن التلفزيون الرسمي والفضائيات التابعة له لا برنامج لديها غير الغناء، وفي كل وقت تدير مؤشر تلك القنوات لا تعدم الغناء.. وثمة حدث آخر وجد رواجًا كبيرًا من التغطية الصحفية ذلك حفل عرض أزياء رجالي أقام الخرطوم ولم يقعدها عندما داهمت سلطات النظام العام مجموعة من الشباب تقدِّم عرض أزياء رجالي وبعض منهم يحمل الجنسية الأمريكية. وسبق لشورى الحزب الحاكم في إحدى مؤتمراته القريبة أن شهد اختلافًا في الآراء حول ظاهرة الغناء في الأجهزة الرسمية للدولة. أمين دائرة الفنون والآداب بالمؤتمر الوطني الجيلاني الواثق وفقًا للزميلة «الأهرام اليوم» ذهب إلى أن الحفل يتنافى مع عادات وتقاليد السودان وأنه رفض الاحتفال، وأضاف أن المجتمع أيضًا استنكر الحفل ولم يوافق عليه. مصدر ذو صلة بالدوائر الشرطية شهد الحفل أخبر «الإنتباهة» بأن الحفل كان عاديًا من قبل الفنانين الأمريكيين لكن الشيء الذي كان شاذًا هو طبيعة الجمهور الذي ارتاد الحفل وقوامه شباب من الجنسين ملابس الفتيات يسهل وصفها بالفسوق، أما الشباب فهيئتهم مائعة يتقلدون السلاسل وملابسهم هابطة «السستم»، وأضاف المصدر أن مدير إدارة شرطة أمن المجتمع عندما علم بأمر الحفل أرسل ضابطًا برتبة مقدم ليستجلي حقيقته فعرف أن الحفل مقام بتصديق من وزارة الإعلام. الإفادة السابقة التي يمكن اختصارها في العبارة «الحفل عادي والحضور شاذ» تنذر بطبيعة الحال الذي آل إليه حال الشباب من تغريب واغتراب عن القيم الدينية والموروث الثقافي والاجتماعي السوداني في ظل انحدار مستوى التعليم وعزلة الشباب عن تاريخهم وثقافتهم وغياب الدور الرسمي والمجتمعي في حمل موروثات الشعب وبثها للأجيال سواء عبر المدارس والجامعات التي باتت تلهث لتوفير الحد الأدنى من متطلباتها لأداء مهامها من مرتبات وتسيير فمن ذا الذي يجد وقتًا يشتغل فيه بالهم التربوي والثقافي وإن وُجد فأين المال أما وزارة الثقافة فكل الذي يُعرف عنها أنها تُدمج في تشكيل وزاري مع الإعلام لتُمنح وزارة منفصلة في التشكيل التالي ولا أحد يدري لم فُصلت ولا لم أُدمجت، لذا لم يكن غريبًا أن يصدم المجتمع بالتصرفات غير الرشيدة للشباب عند وصول جثمان فنان الشباب محمود عبد العزيز إلى مطار الخرطوم قادمًا من المملكة الأردنية فقد اقتحمت جموع الشباب الهادرة المطار وتحلقت حول الطائرة وألحقوا الخراب ببعض منشآت المطار حتى إن عددًا من خطباء المساجد والعلماء أدانوا تلك الظاهرة بشدة، وبطبيعة الحال لم تكن أحزاب المعارضة لتمرر تلك السانحة لتبدي شماتتها في الحزب الحاكم ومشروعه الحضاري الذي أفرز شبابًا تلك ثقافته وهذا مسلكه. يبدو أن الإنقاذ ليست في حاجة لتغيير جذري على المستوى السياسي والتنفيذي فحسب بل هي بحاجة ماسة لمراجعة مشروعها الحضاري ماهية غايتها ومقاصدها منه ووسائلها لتحقيق تلك المقاصد والمقارنة بين المثال الذي كانت تريد والواقع الذي نعيش فيه اليوم، أما البرلمان الذي تتجاوزه الحكومة في قرارات جوهرية مثل سياسة رفع الدعم ما الذي عساه يفعله لأحد وزرائها سواء في الزراعة أو الإعلام؟