الموقف الخجول لحكومتنا من النزاع المؤسف بين رئيس دولة الجنوب سلفا كير وأعوانه السابقين الذين يقودهم نائبه السابق رياك مشار ليس مبرراً من الخرطوم التي لا نجد لها عذراً يجعلها تتأخر عن الموقف الصحيح المنتظر منها تجاه الفرقاء الجنوبيين، فما بين حلفاء الأمس وأعداء اليوم لن ينتهي في القريب العاجل بل إن مآلاته لن تسفر عن استقرار شامل في الأفق، غير أن الواجب الأخلاقي والتاريخي والأبوي يحتم على الخرطوم أن تتخذ موقفًا غير الذي نراه، فالخرطوم عليها أن تتدخل وبلا تردد بل وتسارع الخطى في طرح نفسها وسيطًا يوفر آلية محايدة كدولة محترمة وذات سيادة وجارة بل وملمة بكل تفاصيل النزاع والحكم في الجنوب، على اعتبار أن الدولة الناشئة في الجنوب حديثة التكوين انشطرت في الأصل قبل سنوات ثلاث عن الدولة الأم التي رعتها وتحملت تبعتها في فترتي الحرب والسلام، وقادة الدولة الوليدة ما هم إلا زعماء مليشيات احتضنتهم الغابة ثم وجدوا أنفسهم في سدة الحكم باتفاقية «2005م» ولذلك لا نرى مبررًا يجعل الخرطوم تُحجم موقفها تجاه الجنوب في إطار جهود وزارة الخارجية أو تكتفي بتحركات وزير الخارجية ضمن منظومة منظمة الإيقاد تلكم المنظمة الحكومية المعنية بمكافحة الجفاف والتصحر والتي لم تكافح التصحر والجفاف فكيف لها أن تسيطر على النزاعات الداخلية في القارة السمراء المنوطة بها وإفريقيا بغير تمدد الجفاف والتصحر مثقلة بالحروب التي ضربت معظم دول القارة ومنظمة الإيقاد حضور، ولكل هذا وغيره فإن على الرئيس البشير الذي يتمتع بثقة واحترام وافر لدى الجنوب أن يتحرك بذات القوة التي أمضى بها اتفاقية السلام ومنح الجنوبيين دولة مستقلة ليوفر الملاذ الآمن لمفاوضات تجمع قيادات الحركة الشعبية المنشقين والمكونات السياسية الأخرى من غير الحركة الشعبية ويوفر الثقة بينهم حتى يتحقق وقف إطلاق النار ويحقن دم المواطن الجنوبي الذي يروح هدراً في حرب بلا قيمة ومستقبل مجهول، فالجنوب رغم كل صراعاته المريرة وحروبه السابقة وتحفظاته إلا أن أشواقه دائماً تتجه شمالاً وملاذه أيضاً يتجه شمالاً نحو الدولة الأم.. علينا ألّا نفرط في دولة الجنوب ذلك باختصار يعني ضياعًا لموارد السودان ولأمنه الإستراتيجي، فالحزام المرشح بانتقال المواجهات إليه بين سلفا كير ومشار إنما هي المناطق الغنية بالموارد والتي تمثل امتدادًا لبعدنا الثقافي، فالسودان عليه أن يتحرك وألا يترك الجنوب لأطراف دولية تملي شروطها على الجنوبيين وتفرض رؤيتها المتسقة مع مصالحها ونخرج نحن أصحاب الجلد والراس من المولد بلا حمص، فالموقف البارد تجاه الأحداث في الجنوب في حاجة لمراجعة، ونأمل ألّا يكون المعنيون بالملف قد سيطرت عليهم مسألة المخاوف من المجتمع الدولي، فتلكم ثلاث أو خمس دول لا يهمها إلا خدمة مصالحها التي تسعى لتحقيقها تحت قطاعها الدولي المزعوم وهو مجتمع دولي بلا دول.. أرجو ألا يهزنا أو يخيفنا شيء عن دورنا الأصيل والمرجو منا تجاه الجنوب، ولنتذكر التاريخ ومصلحة شعبنا وحق الجيرة.