في هذه الأيام يتلقى المواطن رسائل تطمين، من السيد وزير المالية الدكتور بدر الدين محمود بمستقبل الوضع المعيشي، وإذا كان هناك تقرير قد أشار مؤخراً إلى نجاح كبير في الإيرادات في الربع الأول من هذا العام، ما يعني عدم الحاجة إلى رفع سعر السلع الحكومية برفع جزء من دعمها مثلاً أو بغير ذلك. ووزير المالية بعد أن أعلن الحرب على «الانتهازيين» وعلى الإعلام السالب الذي يروج بضاعة هؤلاء الانتهازيين، وهي المضاربات الوهمية للعملة الصعبة. فها هو بالأمس يبشر بعدم زيادة الأسعار في رمضان القادم بإذن الله وبعده عيد الفطر المبارك. وإذا كانت الدولة تمارس هي «معارضة» لكل حالات الانتهازية التي يتضرر منها المواطن الفقير في معيشته، فهي بذلك لا تستحق أن يعارضها المواطن. فماذا يريد منها أكثر من أن تحمي حقه وتسعى لتوفير حياة كريمة له؟! وزارة المالية تبقى الآن ذات قيمة أعلى من حيث معارضة ما يتضرر منه المواطن، من قيمة تحالف المعارضة الذي يترأس هيئته التنسيقية فاروق أبو عيسى. نريد هذه الوزارة أن تمضي بهذا الأداء وتضيف إليه اتجاهاً لمحاربة تجنيب المال العام، حتى تصبح كل أموال الدولة تحت ولايتها لتنفق في الأوليات مثل الصحة والتعليم، إذ لا يجوز أن ترصد مليارات الأموال المجنبة لتشييد مبان على إنقاض مبان قديمة، وفي نفس الوقت تعجز ميزانية وزارة الصحة عن صيانة المستشفيات ومدها بالدواء وكل لوازم العلاج، ونفس الحال في التعليم. يقول وزير المالية إن «انخفاض العجز في الميزان التجاري للعام 2013م من «4» مليارات دولار إلى «1.6» مليار دولار، جاء بسبب زيادة الصادرات وصادرات البترول عادت من جديد إلى هيكل الصادرات، بالرغم أن معظم ما يصدَّر يذهب لدفع استحقاقات للشركات العاملة. بهذه التصريحات التي تُضاف إليها الأنباء الحقيقية عن انكسار شوكة تمرد قطاع الشمال المكلّف طبعاً. فالأمن مع الصادر يعني أن الدولة قطعت شوطاً بعيداً في شفاء الاقتصاد.. وبقي لها محاربة «التجنيب» الذي تنفقه بعض المؤسسات بمنطق «بئر معطلة وقصر مشيد». وكذلك محاربة المضاربات الوهمية.. والوزارة الآن تعلن عليها الحرب.. وتوجه لذلك وزارة العدل. إذاً في ربع العام الثاني هذا يمكن أن يتفاءل المواطن، بأنه سيجد أسعار السلع لرمضان والعيد كما هي الآن، وإلا فما معنى تصريحات وزير المالية؟! ولأي غرض كانت. وفي ربع القرن الثاني لحكومة الإنقاذ، ينبغي أن يشعر المواطن بثورة اقتصادية تقوم على أفق سياسي واسع. فالتطورات الأمنية والسياسية التي انتظمت مناطق الإقليم حول السودان، تجعله غير محتاج إلى دول سوق السلاح بقدر حاجته إلى دول رؤوس أموال الاستثمار،أي أن وزراء القطاع الاقتصادي هم قادة الثورة الاقتصادية القادمة، التي نتمنى أن يشهدها ربع القرن الثاني لحكومة 1989م، حتى لا تكمل نصف القرن بحكام من الجيل الجديد، وهم يرثون فشل الجيل القديم الذي تزعمه الترابي. إن السمعة التاريخية تشير إلى النتائج وليس التفاصيل التي قادت إليها، فمثلاً الزعيم الألماني هتلر هو في أذهان الناس من الحكام الطغاة المجرمين، أكثر من أنه رئيس منتخب بعملية ديمقراطية نزيهة. وعبد الناصر الدكتاتوري الطاغوت وقاتل العلماء، هو في أذهان كثير من الناس بطل من أبطال العرب، مع أن أفقه السياسي الضيق جداً، وجهله بالمؤامرات الصليبية واليهودية وعدم تقديره قيمة الصحوة الإسلامية التي تزامنت مع عهده كان وراء نكسة 1967م... حينما هزمت إسرائيل الدولة الصغيرة الحشرة، القوة العربية بقيادة مصر. فلم يكن هتلر دكتاتوراً، وإنما دافع عن ألمانيا ضد المعتدين، ولم يكن عبدالناصر بطلاً، إنما كان الثغرة السياسية التي انهزم منها العرب من عصابة اليهود. إذاً على حكومة البشير أن تمضي بقوة في تنفيذ ما يريده وزير المالية، ومحافظ بنك السودان والبرلمان ممثلاً باللجنة الاقتصادية، وانتهاز فرصة الأثر الإيجابي على الأوضاع الأمنية بعد انفجار الوضع في الجنوب.