عندما تدهورت العلاقة بين حزبي الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي في الحكومات الائتلافية بينهما برئاسة زعيم حزب الأمة وكيان الأنصار السيد الصادق المهدي، وذلك على النحو الذي جرى عقب إجراء الانتخابات العامة لأعضاء الجمعية التأسيسة الذين اختارهم الشعب عام 1986م بإرادة حرة ومعبرة عن الانتفاضة التي دعمتها القوات المسلحة ونجحت في الإطاحة عام 1985م بالنظام الشمولي للزعيم الوطني الراحل المرحوم جعفر نميري. عندما حدث ذلك آنذاك تهيأت الأجواء لدعوة الجبهة الإسلامية القومية التي أنشأتها الحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة كواجهة سياسية لها في تلك الفترة للمشاركة في الحكومة.. وقد تحقق ذلك بالفعل في العام 1988م، وكانت تلك هي الحكومة قبل الأخيرة التي رأسها السيد الصادق المهدي قبل الإطاحة بحكمها بانقلاب ثوري مدني وعسكري أقدمت على القيام به عام 1989م النخبة الإسلامية الحديثة والمعاصرة المشار إليها. ولكن تجدر الإشارة في سياق هذا الإطار الذي نتناول فيه ما نرى أنه يمكن ويجوز وصفه بعقدة علي عثمان في الحوار الوطني وإدارة أطواره بين المهدي والترابي كما جرى في الماضي وما يجري في الوقت الحالي، وما يرمي ويسعى له كل منهما في خوضه لهذا السبيل بالمعنى السياسي.. إلا أن الأستاذ علي عثمان، وبصفته الراجل الثاني في الحركة والجبهة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة بعد أن تولى في تلك المرحلة منصب نائب الأمين العام للجبهة وزعيم المعارضة في الجمعية التأسيسية القومية المنتخبة، كان يتخذ موقفاً رافضاً للرغبة التي ذهبت إليها قيادة الجبهة الإسلامية بزعامة د. حسن الترابي فيما يتعلق بالموافقة على المشاركة في تلك الحكومة الائتلافية قبل الأخيرة للسيد الصادق المهدي، وفي الحقيقة فقد كانت المواقف الرافضة للاستجابة لمثل تلك الرغبة لدى قيادة الجبهة والحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة في تلك الحقبة من تطورها قد بلغت من القوة الضاغطة في المناهضة لرغبة الزعامة بقيادة الترابي درجة وصلت إلى نجاحها في إحباط الاستجابة للموافقة على تلك الرغبة عندما عرضها د. الترابي حينها على المكتب السياسي القيادي للجبهة.. ثم أدت تلك الأوضاع الداخلية التي كانت فاعلة ومتفاعلة وضاغطة في الأوساط والدوائر المعبرة عما يجري بين النخبة السودانية للحر كة الإسلامية الحديثة والمعاصرة إلى أن تلجأ القيادة بزعامة د. الترابي إلى توجيه دعوة لعقد جلسة استثنائية طارئة لمجلس الشورى القومي للجبهة الإسلامية بهدف الحصول على موافقة منه تدعم الرغبة الدافعة للقبول بالمشاركة في تلك الحكومة الائتلافية قبل الأخيرة للسيد الصادق المهدي. وفي الاجتماع المشار إليه والذي جرى انعقاده في العاصمة الخرطوم آنذاك، تمت مناقشة ساخنة للدوافع والحيثيات والأهداف الداعية للموافقة على المشاركة في تلك الحكومة في مقابل المواقف الرافضة لذلك وما تستند إليه وترتكز عليه وتنطلق منه في ذلك الرفض.. وقد كان صديقنا العزيز وزميلنا في صحيفة «الراية» الناطقة باسم الجبهة الإسلامية القومية آنذاك الاخ الكريم الشهيد محمد طه محمد أحمد هو أصغر الأعضاء المنتخبين في المكتب السياسي القيادي ومجلس الشورى القومي للجبهة الإسلامية آنذاك.. وكان الشهيد محمد طه يتبنى موقفاً قوياً في التعبير عن الرؤية الرافضة للاستجابة لرغبة المشاركة في تلك الحكومة على النحو الذي كانت القيادة بزعامة د. الترابي تسعى لها آنذاك.. ولأنه كان يعلم أن الأستاذ علي عثمان محمد طه لم يكن راغباً في القبول بالموافقة على تلك المشاركة، وهو الرجل الثاني في الجبهة والحركة الإسلامية فقد سعى للاستعانة به.. فماذا قال له الأستاذ علي عثمان حينها؟