أعود لموضوع الجودة الذي أصبح علكة في أفواه لا تجيد إلا علك كلام الجهل، ولما كان موضوع الجودة قد طرح إعلامياً لأغراض تصفية الحسابات، دون غيرها من اعتبارات، سنطوف على الموضوع من كل جوانبه، وأبدأ بتساؤل مشروع: هل الجودة هي أمر متعلق حصرياً بال (Biosimilars) أو المنتجات الحيوية المثيلة، أم هو مبدأ شامل تطبقه على جميع الأصناف الدوائية وفي جميع الأحوال وبدقة لا تصرفنا عنها مبررات لا تستند لقواعد علمية ومهنية؟ هل الجودة أصبحت سيفاً إعلامياً صقيلاً نقاتل به معارك مصالحنا الشخصية أم هو سيف نقاتل به معركة المواطن الذي يتعاطى مع سلعة الدواء التي لا يعرف عنها شيئاً؟ الجودة هي الدواء نفسه، فإن انتفت هذه الصفة عنه يصبح الدواء شيئاً آخراً سمِّه ما شئت!! للأسف نحن نبرر الاستيراد الحصري لعقار ال (Epoeilir) بواسطة الإمدادات الطبية من مصدره الأصيل الألماني بدعوى الجودة، وننسى أن ذات الهيئة في ظل مديرها الحالي سبق لها وأن استوردت أدوية لعلاجات السرطانات من صيدلية/ صيدليات من القاهرة!! أي واللَّه من صيدليات، لا من مصانع ولا من شركات البيع بالجملة، ولن نتحدث عن الإجراء في جوانبه المالية ولا القانونية، ولكن سنتناول الأمر من حيث الجودة. فالشراء بالجملة من صيدلية يعني عدم وجود المستندات المؤيدة لجودتها وفعاليتها ومأمونيتها، وعدم وجود ضامن لهذه الجودة، سواء أكان المصنع المنتج أو الوكيل المحلي، في حال أن ثبت وجود شواهد لعدم فعالية هذه الأدوية أو عدم مأمونيتها أو عدم سلامتها أو وجود عيوب تصنيعية بعكس الفحص الفيزيائي والمعملي للدواء!! وكان المنطق منه والمبرر للاستيراد بهذه الطريقة هو نفاد مخزون الإمدادات الطبية منه وضرورة توفير الأدوية للمريض بأسرع طريقة!! وهذا المنطق، بمعايير مهنية وعلمية بحتة، هو منطق أعوج، بأقل وصف!! فأدوية خطيرة بطبيعتها، لعلاج أمراض خطيرة، يجري توفيرها دون التأكد من جودتها يعني أن وجودها والعدم سواء، وسوف لن يستطيع أحد أن يؤكد إن كانت هذه الأدوية قد أدت وظيفتها العلاجية بكفاءة، أم أن عدداً من المرضى راح ضحية استخدامها!! إذن الحديث عن الجودة يجب ألا يتم بطريقة ظرفية انتقائية كما ذكرنا في المثال السابق!! من المخجل أن نتحدث بلسانين في أمر واحد حسب مقتضى الحال وحسب الموقع الوظيفي!! ضاربين بالعلم عرض الحائط وقبل العلم، ضاربين مصلحة المريض في أم رأسها. اليوم التقيت والأخ الصديق د. ياسر ميرغني للنقاش حول موضوع الجودة الخاص بال (Biosimilars) ووجدته قد جهز ثلاث فواتير للثلاثة أصناف من ال (Epoeilin) المتداولة في السودان، ولعله أراد أن يثبت لي أن الصنف الأصيل الذي تورده الإمدادات الطبية هو الأرخص لكن الرجل، وبمنتهى الأمانة، لم يستطع أن ينفي أن هذا السعر ليس سعره الأصلي، ببساطة لأن الإمدادات تقوم بتخفيض سعر الصنف ومن ثم تقوم بتحميل هذا الفرق على أصناف دوائية أخرى!! يعني كده كده المواطن سيدفع الثمن الغالي لهذا الصنف!! وأتحدى أن تبرز الإمدادات الطبية فاتورة الاستيراد والأعباء المالية الأخرى المضافة لتعرف السعر الحقيقي لهذا المنتج الدوائي المهم. من خلال هذه الأجواء التي يدور فيها صراع المنتجات الحيوية المثيلة، تحت لافتات عدة، يمكن أن نقدم الخلاصات التالية وبعدها ندخل في لب الموضوع: 1/ الصراع يدور الآن بين منتج ألماني من ال (Epoeitin) سيتم احتكار استيراده بواسطة الإمدادات الطبية، بقرار منع استيراد هذا المنتج من مصادر جنيسة، حتى وإن ظلت متداولة لأكثر من عقد من الزمان. 2/ إن استهلاك هذا المنتج هو استهلاك عالٍ جداً وسعره أيضاً عالٍ جداً، وزبونه أيضا مضمون جدا وتمويل شرائه من الإمدادات الطبية وبكميات كبيرة أمر لا يعتريه خلجة شك واحدة!! وستقوم الإمدادات بتخفيض سعره وتحميله على أدوية أخرى!! أي أن هناك مرضى سيدفعون «يساهمون» في علاج مرضى آخرين!! عدا ذلك لن يشتريه جل المرضى عبر الجهات المعنية برغم أغنية المصدر الأصيل!! 3/ إن قرار السيد/ وزير الصحة الاتحادي ستكون له تداعيات، حيث لا يوجد قرار مثالي في الدنيا كلها، وسيكون المريض عرضة لهذه التداعيات: 3/1/ في كل الدنيا لا نجد دولة تعتمد على مصدر وحيد في استيراد أدوية مهمة وحيوية وضرورية لحياة المريض واستقرار حالته، مثل عقار ال (Epoeitin) وعقار ال (hnsutin). 3/2/ القرار بصورته الحالية يعني حصر استيراد هذا العقار على مصدر وحيد، وهذا سوف يؤدي لارتفاع أسعاره وتركها في يد الشركة المصنعة التي يمكن أن تقوم برفع سعره من وقت لآخر، بحجج مختلفة، وعندها سوف يكون اتفاق الإمدادات الطبية معها مجرد عقد إذعان!! 3/3/ تعثر استيراد هذا العقار من مصدره الحصري لأي أسباب متعلقة بالمكون النقدي الأجنبي، أو بارتفاع معدل استهلاكه بصورة مفاجئة أو بتلف جزء منه أثناء الترحيل أو التخزين أو وجود ظروف إنتاجية متعلقة بالشركة المصنعة، أو ظروف سياسية متعلقة بالمقاطعة أو العقوبات الاقتصادية... إلخ. هذه الظروف يعني انقطاعه عن المريض، وفي هذه الحالة سوف يتعين على الدولة استيراده من أي مصدر ربما بطريقة استيراد علاجات السرطانات إياها!! فلماذا نضيق واسعاً؟ 3/4/ في إطار الميزانيات المتاحة للعلاجات، سواء لدى المركز القومي للكلى أو لدى التأمين الصحي أو لدى غيرها من الجهات، سوف يكون «50% 65%» من المرضى خارج مظلة العلاج بعقار ال (Epoaitin) ما لم تقم وزارة المالية والجهات الأخرى برفع الاعتمادات المالية الحالية، أو يقوم بعض المرضى السودانيين بدفع فرق السعر بين التكلفة الحقيقية للعقار وسعر بيعه بسعر منخفض غير حقيقي وأقل من تكلفته وذلك في حال أن خصصت الإمدادات الطبية سعر المنتج مع رفع سعر أصناف أخرى، بنظام الدعم المتقاطع. يا سيدي الوزير، إن استيراد هذا الدواء أو أي دواء مهم آخر من مصدر واحد أمر ليس من مصلحة المريض ولا من المصلحة العامة في شيء، والتحسب لمخاطر أمر كهذا هو من عزائم الأمور. في الحلقة القادمة سنناقش أموراً مهمة وسنقوم بنسف فكرة المصدر الأصيل (origvnator) والمصدر الجنيس (Ceneric) من أساسها لأن الحدود الفاصلة بين ما هو جنيس وما هو أصيل ما عادت بذات الحدة والوضوح كما كانت في الماضي بفضل الثورة التقنية التي تجتاح العالم، ومن ثم سنتناول الأدوية الحيوية المثيلة كما سنحاول إزالة الوهم المتضخم بما يصدر عن هيئة الصحة العالمية من موجهات وكأنها آيات لا معقب لأمرها ونطرح جوانب الصراع والإمكانات بينها وبين كبار منتجي الأدوية في العالم.