أحداث مثيرة تطارد هذا الملف الذي ظلت العديد من جوانبه خفية حتى الآن، بحسبان أن العملية برمتها تمت تحت غطاء عال من السرية رغم كشفها لاحقاً قبل اكتمالها على النحو الذي خطط له، ما أدى إلى فشل العملية في العديد من مراحلها التي تم الجانب الأكبر منها في قلب الخرطوم. كيف قلبت آلة الثرثرة الإعلامية كل الموازين وتسببت في وقف العملية من مطار الخرطوم ؟من أدار عملية «يوشع بن نون» أو ما سمي ب«ملكة سبأ» من منطقة القضارف بشرق السودان؟ آلة الثرثرة تعمل! وفصول القصة التي بدت درامية بعض الشيء، انطلقت نهاياتها من داخل مدينة الحجاج بمطار الخرطوم عندما أقلعت «36» رحلة جوية سرية، استغرقت نحو سبعة وأربعين يوماً تم خلالها تهجير نحو «7800» من الفلاشا دون أن يكشف عنها. ما طرح بعض التساؤلات من بينها كيف تم نسف عملية مطار الخرطوم في العام 1984، قدرت الرقابة العسكرية في اسرائيل أن تسرب أية معلومات حول العملية قد ينسفها تماماً لذلك بذلت جهوداً مضنية للحيلولة دون حدوث أي تسرب محتمل حول العملية.. إلا أنه يمكننا التساؤل كيف تسبب «دومينتس» في ذلك عندما قال «لا يمكنني أن أبوح لكم كم يهودي لا زال هنالك» ويقصد في السودان،.. هذا بالضبط ما فعلته آلة الثرثرة الإعلامية هناك في إسرائيل. كان لوقع تلك الكلمات التي تفوه بها «يهودا دومينتس»، وهو من قيادات دائرة الهجرة بالوكالة اليهودية، الاثر البالغ في تغيير مجريات العملية برمتها، فقد ثرثر أكثر مما يجب في ذلك الحوار الذي أجراه مع صحيفة «نيقودا»، ومن بين ما قال «في الماضي كان يوجد بأثيوبيا «25» ألف يهودي، أما الآن فلا أستطيع أن أجزم لكم كم تبقى». ومن جهة أخرى، لم يدر «آرييه دولتسين» رئيس الوكالة اليهودية، أن تلك الكلمات التي انطلقت منه أثناء ادلائه بتصريح صحفي ربما تنسف العملية برمتها، حين أعلن أن «أحد الأسباط اليهود على وشك العودة الى ارض الوطن». في أعقاب هذا الإعلان نشرت مجلة «Jewish Press» في نيويورك قصة العملية. وفي اليوم التالي، تناولت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» التفاصيل الكاملة للعملية. لم تتوقف آلة الثرثرة الاسرائيلية عند هذا الحد، وبعد تلك التصريحات بثلاثة أيام قال رئيس الوزراء، شمعون بيرس، في خطاب من فوق منبر الكنيست: «حكومة إسرائيل بذلت - ولا زالت - العديد من الجهود في حدود إمكاناتها، بل وأكثر، من أجل إنجاز العملية حتى وصول آخر يهودي من أثيوبيا إلى وطنه». تسربت الأخبار المؤكدة عقب تصريح «بيريس» وفي نفس اليوم ألغى السودانيون الرحلات وتوقفت العملية إلا أن الستار لم يسدل حول العملية على ذلك النحو. وأثار تأكيد الاسرائيليين نبأ العمليات غضب السلطات السودانية، وعلق حينها مصدر رسمي في واشنطن بقوله «لو صمت الإسرائيليون شهراً واحداً آخر لكان من الممكن إخراج كل يهود أثيوبيا». وفي تل أبيب تفاجأ الاسرائيليون وذعروا عندما أعلنت سلطات النميري وقف العملية وإغلاق المطار امام اسطول طائرات الفلاشا.. في واشنطن أبدى الرئيس الأمريكي جورج بوش، اهتماماً كبيراً ب«عملية موشيه»، وأعرب عن تقديره الشديد لاستعداد إسرائيل المخاطرة بعملائها السريين وأفراد من الجيش لإنقاذ اليهود الفلاشا وإخراجهم الى اسرائيل. لم تجد الحيل والمحاولات لانتشال من علقوا من الفلاشا بمعسكرات القضارف، فبعد عدة اسابيع بدأوا تنفيذ عملية اطلقوا عليها ملكة سبأ «بلقيس» وحسب بعض المصادر اطلق على تلك العملية أيضاً عملية يوشع بن نون (Operation Joshua ) ويوشع هذا كان على ما يعتقد من ابرز الذين تابعوا تنفيذ العملية من بداياتها. وتم في العملية الاخيرة ترحيل «494» من اليهود الفلاشا الى اسرائيل. وبالفعل هبطت في شرق السودان سبع طائرات «هيركليوس» لكنها هذه المرة تابعة لسلاح الجو الأمريكي، وكان على متنها رجال الCIA. وعلى الفور، بدأ الطاقم الأمريكي العملية التي تم في إطارها نقل عدد «500» يهودي، كانوا قد تعثروا في السودان، مباشرة إلى قاعدة سلاح الجو في «متسبيه رامون» باسرائيل. وشاركت في وضع لمساتها الأخيرة في أوائل العام 1985م أطراف من المخابرات السودانية والأمريكية لاستكمال تهجير الفلاشا من السودان. مطاردات وعقب تعليق السلطات السودانية عمليات الترحيل، بدأت في رصد رجال الموساد الذين لا زالوا يعملون بالعاصمة السودانية. وتم الكشف عن العملاء الثلاثة الذين ظلوا في السودان، وفي اللحظة الأخيرة تمكنوا من الهرب إلى بيت عميل الCIA في الخرطوم. العميل الأمريكي تستر عليهم في منزله واستطاع تسفيرهم في صناديق على متن رحلة جوية متجهة إلى العاصمة الكينية نيروبي! في تلك الاثناء لم تكشف هوية ذاك العميل الا أن رواية اخرى ربما تداخلت هنا.. تتعلق بتفاصيل صدرت من تل أبيب نفسها فقد اعترفت اسرائيل في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي انها استطاعت انقاذ اثنين من ضباط الموساد من قبضة الخرطوم بسبب ملفات الفلاشا. لكن من أوفده الموساد الى الخرطوم.. كشفت معلومات نشرتها اسرائيل نفسها انها اوفدت تاجر السلاح البريطاني الشهير ب«تايني» وهو يهودي العقيدة الى الخرطوم بطائرة خاصة، وكان رئيس جهاز الموساد في انتظاره بلندن بعدما طلب منه اطلاق سراح ضباط الموساد ..على الفور الغى «تايني» جدول اعماله بعدما طلب من مدير مكتبه الاتصال بارقام هواتف في الخرطوم وقال له ( put me to this Sudanese number)، سافر تايني الى الخرطوم واستطاع إكمال المهمة بنجاح وعاد أدراجه الى لندن. انتقادات لاذعة وبعدما انتهت العمليات تعرض الموساد الى انتقادات لاذعة وأثيرت في تل أبيب بين أبناء الطائفة الأثيوبية انتقادات حادة، لأنه خلال العملية التي استمرة سنتين لقي نحو أربعة آلاف يهودي حتفهم، بسبب الظروف السيئة والطرق الممتدة التي اضطروا للسير فيها الى السودان. كما احتدم في الموساد جدل كبير بين رجال وحدة العمليات «قيسارية»، برئاسة «شفتاي شافيت»، وبين رجال وحدة «بيتسور» التي كانت مسؤولة عن تهجير الأثيوبيين إلى البلاد، حول تخطيط العملية وتنفيذها. وبدأت الحرب الكلامية تنطلق عندما زعم شافيت ورجاله أن «بيتسور» هي وحدة هامشية ليس لديها القدرة على تنفيذ تلك العملية التي كلفت بها. وقالوا إن رجال وحدة «بيتسور» لا يملكون قدرة عملياتية حقيقية، لذا لم يتمكنوا من الصمود أمام الضغط في تلك العملية الصعبة والمعقدة. ومن الناحية الأخرى زعم رجال وحدة «بيتسور»، ومن بينهم «جاد شمرون» الذي شارك في العملية، أن أسلوب العمل الارتجالي والعفوي وغير التقليدي لقائد العملية، دورون، هو تحديداً الذي أدى إلى نجاح العملية. يعتقد الكث يرون في الموساد أنه لو كانت وحدة «قسارية» هي المسؤولة في حينه عن العملية، ربما كان معدل إخلاء اليهود من مخيمات اللاجئين أسرع وأكثر نجاعة، وربما وفرت إسرائيل أيضاً على نفسها عناء وفاة عدد كبير منهم. ويعتقد كثيرون في اسرائيل أن العملية كلها تولدت بارتجالية اللحظة الأخيرة وأديرت بشكل غير منظم، وليس بناءً على تخطيط دقيق وفكر بعيد ورؤية فاحصة. قائد العملية في قبضة الصحافة وذات يوم سأل الصحفي «رونين برجمان» من صحيفة «يديعوت أحرونوت» قائد العملية، هل شعرت أن الموساد ربما يكون قد أخذ على عاتقه مسؤولية ثقيلة للغاية وأنه وعد الفلاشا بإخراجهم من السودان فور اجتيازهم الحدود ولم يف بوعده.؟ وأجاب دورون: «كانت هناك نية للوفاء بالوعد، لكن ثمة أحد لا يستطيع تخطيط عملية كهذه بطرق عمل منظمة. أنت تنشغل بموضوع مختلف تماماً عن العمليات العادية لأجهزة المخابرات. طوال الوقت كنا نبحث عن طرق عمل جديدة، وقد نجحنا أحياناً في ذلك، وأحياناً أخرى كانت درجة النجاح أقل. وبدءاً من مرحلة معينة لم يكن من الممكن تنظيم حركة اللاجئين داخل السودان. بمنتهى البساطة فقدنا السيطرة». الى اسدل ستار عمليات السودان لتبدأ الموساد في تنظيم تهجيرهم عبر أثيوبيا فيما اطلقوا عليه عمليات «شولومو».