مدخل أول: «تجمع عدد من زعماء القبيلة الكبيرة بأحد مضارب القبيلة بمنطقة ما من أرض الجزيرة العربية في العهد الجاهلي، لاختيار فرد من بينهم لتنصيبه كزعيم ومختار للدفع به لزعامة المنطقة في إحدى الممالك القديمة، وعلى الرغم من الخلافات التي كانت بينهم إلا أنهم آثروا أن يتوحدوا بغرض مواجهة ما سموه بالعدو المشترك، وعلى الرغم من كراهيتهم الشديدة لبعضهم البعض، إلا أن خطر أن يأتي شخص من خارج مضارب قبيلتهم جعلهم يتناسون أحقادهم على بعضهم وكراهيتهم، وبعد شد وجذب صوتوا فيه على اختيار ثلاثة من بينهم، عبر كتابة أسماء المختارين على ثلاثة أسهم ووضعها بجعبة أسهم لاختيار مرشحهم. وبينما كان زعماء القبيلة يعقدون اجتماعهم في جنح الليل، كانت كل القبائل تعقد اجتماعاتها بذات الوقت كأنما بينهم اتفاق غير معلن على عقد ذات الاجتماع لذات الغرض ». مشهد ثان: حسناً.... كل ما سبق سادتي القراء أعزكم الله قصة من وحي خيالي ليس إلا حاولت إسقاطها على حال انتخابات اختيار الولاة بالحزب الحاكم بالبلاد، وعلى الرغم من أن الحزب الحاكم يضع معايير محددة لاختيار الولاة الا ان الامر تجاوزها لاشياء اخرى بالولايات، وتجلت عمليات الاستقطاب بشكل واضح بكل الولايات دون فرز، وتحول منسوبو الحزب لكيانات وتيارات غير معلنة تعمل في تنظيمات أشبه بالسرية لاختيار مرشحيها من جهاتها او من قبائلها، ولعل هذا الامر هو ما دفع بقيادات الحزب الحاكم لإرسال رسائل تهديدية اكثر من مرة لمنسوبي الحزب والبالغ عددهم «10» ملايين عضو حسبما اعلن الحزب، وجعل نائب رئيس الحزب بروفسير إبراهيم غندور يوم الثلاثاء في كسلا في مؤتمرها العام يرسل بعدد من الرسائل، ليس لعضوية الحزب بكسلا فقط وانما للكل بجميع الولايات التي لم تجر مؤتمراتها العامة، ولعل غندور وقيادات الحزب قد لمست حالة الاستقطاب الحادة التي ضربت الولايات دون تمييز، وجعلت البعض يحشد امواله وقبيلته ونفوذه من اجل نيل ثقة المركز للترشح لمنصب الوالي، ولأن يكون ضمن الخمسة المرشحين للمنصب والذين ستدفع بهم الولاية للمركز لاختيار القوي الامين من بينهم، ولعل الغريب في الامر وفي كل المؤتمرات التي انعقدت، ان الوالي المتواجد حالياً يحوز على أعلى الاصوات في كل الولايات حتى الآن، ولكن يبدو ان للمؤتمرات العامة هذه إفرازات ولها ما بعدها بكل الولايات دون فرز. مشهد ثالث: ولعل والي النيل الأبيض يوسف الشنبلي قد أدرك كغيره ما سيفرزه المؤتمر العام للحزب والترشيحات لمنصب الوالي من حالة استقطاب بالولاية، وربما قد طاله هو نفسه ذات الاتهام بأنه يقوم بحشد مؤيديه لضمان استمراره في المنصب، الا انه وعلى غير عادة البعض من الولاة بدا زاهداً في منصبه وقال خلال لقاء تنويري ضمه وعدداً من الصحفيين بالولاية، إنه طوع أمر قيادته في المركز وانه على استعداد لترك منصبه حالاً إذا طلبت القيادة منه ذلك، ويذهب الى ابعد من ذلك فيقوم بإطلاق نداء للتيارات الموجودة بالحزب للتوحد حول المؤسسية، ولنبذ الخلافات والجهويات التي بدت تطفو على السطح ببحر أبيض، ودعاهم بان تعالوا الى كلمة سواء، وبيّن الشنبلي ان هذه التيارات والتي تخاطب الجماهير بنزعة ذات طابع جهوي وقبلي، وقال حينها الشنبلي إنها تهدف لشق النسيج الاجتماعي للولاية تحت مسميات ابناء الشمال وابناء الجنوب. ولعل اللافت في الترشيحات التي تتناقلها مجالس المدينة ببحر أبيض، أنها تستند في غالبها على السند القبلي في الاساس، في مواجهة رصيد الوالي وكسبه خلال الخمسة اعوام السابقة، والذي يتمثل في الخدمات التي دفع بها في الثالوث الخطير «الصحة والتعليم والخدمات»، ولعل الواقع الخدمي بالولاية حقيقة يساند الشنبلي، فمن خلال عدد من الزيارات التي قمت بها للولاية على مدار الثلاث سنوات الماضية، قد لاحظت التغيير الذي طرأ على الخدمات بها، ولعل هذا ما يؤكده غالب قيادات الولايات قبل بدء التنافس على منصب الوالي، فالكل يكاد يجمع على ان الكهرباء وشبكاتها والمياه قد امتدت لمناطق لم تشهد منذ الاستقلال مرور نور الكهرباء او وجود بئر او حفير او محطة للمياه، وعلى الرغم من قلة الموارد بالولاية، إلا أن الولاية لجأت لطرح جديد في توفير الخدمات اخذته بقية الولايات منها كنموذج يحتذى، وهو امر الارض مقابل التنمية، ولعل هذا الامر جعل الإيرادات الذاتية تصعد بقفزة بالزانة من خلال المساهمة في الموازنة العامة من «30%» في العام 2010 الى «70%» بالعام السابق حسمبا ذكر مدير المالية بالولاية ل«الإنتباهة» عبدالرحمن موسى، قبل اكثر من اسبوعين . مشهد رابع: ويبدو أن حالة الشد والجذب بين تيارات الحزب الحاكم بالنيل الابيض قد انتقلت للخرطوم، فقد شهدت عدد من منازل المتنفذين المنتمين للولاية اجتماعات ماكوكية لوضع سيناريوهات لما ستسفر عنه اجتماعات الشورى والمؤتمر العام للحزب، والتي ستكون على التوالي بالسبت والاحد. فالكل الآن بدأ في حشد مؤيديه بطابع جهوي وقبلي في ذات الوقت، بينما يبدو والي النيل الابيض اكثرهم اطمئناناً بما يحويه رصيده من خدمات خلال فترة حكمه، وبما حققه على صعيد المياه والكهرباء، والصحة، والتعليم، بينما يسير منافسوه في خطوط موازية قد تحقق لهم بعض الحضور وتدفع بهم للمقدمة من خلال التنافس للدفع بهم ضمن المرشحين الخمسة، وعلى كثرة حظوظ الوالي لنيل أعلى الاصوات، فقد انحصر بقية التنافس على عدد من المرشحين بينهم إبراهيم هباني، وفيصل حماد، ومحمد حامد البلة، ومعتمد ربك الحالي أبوبكر عراقي، ورئيس تشريعي الولاية مهدي الطيب، ويبدو أن بحر أبيض تحتاج لمن يفك شفرتها ويتخذ بها قرارات حاسمة لوقف حالة الاستقطاب الحاد التي تدور الآن بين مكونات الحزب على اساس قبلي وجهوي بحت، ويبدو سؤال من يفك الشفرة هو القائم؟ فهل تستطيع قيادة الحزب حسم الأمر؟، أم أن الأمر سيحسم عبرالتوافق عبر «الكوتات»؟، أم أن الأمر يذهب في طريق الانفجار؟ أم .....، وسيكون الجميع في حالة ترقب لما ستسفر عنه الأحداث بالأحد.