مواصلة لما أشرت له أمس الأول تحت عنوان: «قراءة لأجواء عودة السيد الحسن الميرغني في سياق العودة المرتقبة لوالده في ذكرى السيد علي»: كنت أنوي الاستمرار في المساهمة المشاركة في إحياء الذكرى السنوية للمرشد الختمي والزعيم الوطني الراحل المرحوم السيد علي الميرغني الراعي المؤسس على نحو محوري للحزب الاتحادي الديمقراطي والحركة الوطنية الاتحادية بصفة عامة.. حيث أرى أن هذه المناسبة السنوية الجليلة، التي يتم الاحتفاء بها في الخامس والعشرين من سبتمبر كل عام، تمثل فرصة سانحة وصالحة للإشارة إلى ما كان يتحلى به صاحب الذكرى العطرة من كلمة سديدة ويقظة متقدمة وإرادة واعية وبصيرة نافذة ورؤية ثاقبة وقدرة فائقة في الممارسة السياسية الماهرة في سعيها لبلوغ مراميها وأهدافها البعيدة المدى والمؤثرة بحدة بالغة وشديدة الوطأة الفاعلة والمتفاعلة والراشدة والملهمة في تعاملها مع الأوضاع العامة التي عاصرها ولعب دوراً كبيراً ورئيساً وأساسياً وجوهرياً في تطويرها وتجذيرها وتأهيلها وتحويلها إلى ما أفضت إليه وأدت له من اتجاهات وتوجهات في نهاية الطواف وخاتمة المطاف، وعلى صدارتها توحيد التيار الوطني الاتحادي والديمقراطي وتحقيق الاستقلال الوطني من الاستعمار الأجنبي البريطاني والتصدي للتآمر الغربي الإمبريالي الذي تعرض له السودان في القرن الميلادي الماضي. بيد أنني ولدى قراءتي لما كتبه المفكر السياسي والكاتب الصحافي المصري الراحل المرحوم محمد جلال كشك عن ظاهرة البيع والشراء في الممارسة السياسية الجارية على المستوى العربي، خاصة فيما يتعلق بقراءته للموقف السوداني أثناء حرب الخليج السابقة والناجمة عن الغزو العراقي للكويت، في سياق هذا الإطار خلال تسعينيات القرن الماضي، وذلك على النحو الذي أشار له في كتابه الصادر تحت عنوان «الجنازة حارة» عن تلك الفترة، والذي تناول الأوضاع العربية التي كانت سائدة، وما جرى في تلك الحقبة.. وجدت في ذلك ما أغراني بتأجيل العودة الى العبر المستخلصة والدروس المستفادة التي أرى أنها مرتبطة بالسيرة العطرة للزعيم الوطني الاتحادي الراحل المرشد الختمي المرحوم السيد علي الميرغني حتى يوم غد إن شاء الله. وبناء على هذا وطالما أن السودان أخذ يسعى حالياً للقيام بمحاولة تبدو هادفة للإقدام على معالجة ربما يرى البعض أنها تأتي متأخرة لتجاوز ما جرى أثناء حرب الخليج السابقة وما ترتب عليها من استجابة دولة الكويت الشقيقة وشقيقاتها من الدول الخليجية العربية الأخرى للاستعانة بالولايات الأمريكيةالمتحدة والموافقة على القبول برغبتها في قيادتها للتحالف الغربي الذي تصدى للغزو العراقي المعتدي على الكويت، كما جرى على النحو الذي انتهى إلى الغزو المباشر والاحتلال الأمريكي السافر للعراق وتدميره بشكل كلي أدى إلى ما أفضى إليه من زعزعة شاملة للأمن والسلم والاستقرار في المنطقة العربية والإسلامية بأسرها ظلت تعاني منه منذ ذلك الحين وحتى الآن. في سياق هذا الإطار للرؤية المتعمقة وتحت عنوان: «السودان الذي باعوه»، ذكر الراحل جلال كشك أن موقف السودان الذي أذهل الكثيرين واحتاروا في تفسيره لا لغز فيه ولا إعجاز.. ويكفي القول إنه لم يكن يسمح له بدور آخر.. فكما أدخلوا صدام المصيدة ومنعوه من أي قرار إلا مقاتلة القطط، لم يكن يقبل من السودان كذلك إلا الموقف الذي اتخذه لأنه هو الذي ييسر تحقيق المصير الذي يدبر له.. وهو باختصار تمزيقه إرباً لأكثر من دولة على أنقاض السودان الذي لم يتبق منه إلا الاسم الجغرافي.. فقرار إزالة السودان صدر منذ سنوات ويمكن القول إن تنفيذ هذا القرار قد دخل المرحلة النهائية التي لا سبيل لتفاديها في ظل الأوضاع الحالية للعالم العربي. ويضيف الراحل كشك أن هذا بالطبع حديث يطول لكن المهم هو أنه لو أخذ السودان موقفاً مغايراً في أزمة الخليج لتعثر تنفيذ المخطط بعض الشيء حيث كانت مصر والسعودية ستؤيدان وتدعمان وحدة السودان. ولكن الموقف الثوري السوداني من أزمة الخليج ضمن منع الدعمين المصري والسعودي. والسودان بدون مصر والخليج هو أقل من الصفر بمائة درجة.. ولو وقف السودان مع أمريكا لاضطرت لوقف قرنق أو أمرته بالاحتشام.. ومن ثم فقد كان لا بد أن يرفع البشير راية النذير والموقف التقدمي من أزمة الخليج كي تضاعف أمريكا مساندتها لقرنق. ويضيف الراحل جلال كشك أن الحقيقة هي أن الحركة الإسلامية والجماهير الإسلامية في السودان تحمل الكثير من المرارة لموقف مصر المعلن في الصحف وهو العداء الغريب لكل اتجاه إسلامي في السودان.. وأسباب ذلك يمكن فهمه من معرفة نوعية العناصر التي تسيطر على الصحافة في مصر، لكن خصوم السودان والإسلام استغلوا هذا الموقف الخاطئ لضرب الإسلام في السودان.. وهل يستطيع سوداني أن يدلنا على فائدة واحدة كسبها من موقف حكومته خلال أزمة الخليج باستثناء إشفاء الغليل.